الرئيسيةرأي وتحليل

البرجوازية الوطنية المفقودة – أيهم محمود

الشرط اللازم لتكون البرجوازية وطنية.. بقاء الأموال داخل البلاد واستخدامها لتنميته

سناك سوري- أيهم محمود

هل المال هو حقاً حلال لصاحبه يستطيع إخراجه إلى حيث يشاء؟
هل البرجوازية السورية التي تحاول الآن التملص من مسؤولياتها عن هذا الخراب وإلصاق كل التهم بالسياسيين فقط على حق؟
ما هي الوظيفة الحقيقية للدولار بعيداً عن صورة العملة العالمية المستقرة التي تحمي مدخرات البعض القليل من السوريين بينما تحرق حياة معظمهم.
يوجد ارتباك واضح في المفاهيم لدى غالبية السوريين، ارتباك يجعلهم يقسّمون المال الذي تم إخراجه من سوريا خلال سنوات الأزمة والسنوات السابقة لها إلى مال حلال وإلى مال فساد، هي فرصة القوى التقليدية السابقة لتأخذ ثأرها الاجتماعي القديم وتحاول تلميع صورتها وصورة مرحلة قاسية جداً على السوريين ساد فيها الفقر والجوع والجهل مناطق واسعة في ظل حكم هذه الطبقات التي لم تهتم سوى بنفسها وبرفاهيتها على حساب أغلبية مسحوقة، تريد هذه الطبقات اليوم من السوريين أن ينسوا تاريخهم القديم وتاريخها ويباركوا لهذه الطبقات عودتها الميمونة إلى صدارة المشهد فهي المال الحلال مقابل مال الفساد، مالان اجتمعا معاً في مصارف لبنان وهذا ما علمنا به بسبب الأزمة المصرفية اللبنانية بينما ما يزال مجهولاً حجم خيرات سورية التي تم إخراجها من البلاد بشكل أموال سائلة وتنتظر الضياع أو الاستيلاء عليها بحججٍ شتى، ربما حان الآن وقت شرح الوظيفة الحقيقية للدولار.

اقرأ أيضاً: عن الرجل الذي أوقف السير في الشارع _ أيهم محمود

بدايةً هناك فرقٌ جليٌ وواضح بين رأسمالية شركات التكنولوجيا الرفيعة في الولايات المتحدة وبين برجوازيتنا المصونة صاحبة العفة والدلال، بين رأسمالية حولت التراب بالمعنى الحرفي للكلمة، إلى مواد أغلى من الذهب وبين رأسمالية وطنية مهمتها تسييل خيرات سوريا وتحويلها إلى دولارات دون إدراك لما ينتظر هذه الأموال لاحقاً في لعبة المصارف وألعاب البورصات، لا فرصة تذكر لهؤلاء في المحيطات المالية الواسعة فهذه الرأسمالية الهشة الضعيفة لا تعرف الإبحار سوى في بحار الأوطان المقفلة والمفارقة الأهم أنها لا تعرف أن تحيا سوى في عالم الفساد الذي تنتقده الآن البرجوازية السورية وتحاول التنصل من مشاركتها الفاعلة به، لا يمكن إخراج الثروة الحيوانية والثورة الباطنية وثروات الطاقة وتراكم عمل الأفراد بسهولة عبر الحدود لكن يمكن تحويلها إلى دولار وإقناع الأفراد أن هذا حلالهم وأملاكهم يستطيعون حملها حيث يشاؤون إلى أن تتم سرقتها منهم لاحقاً بعد سنوات طويلة أو يتم امتصاص معظمها في النظام المالي العالمي بعد أن ينسى الناس أصحاب هذه الأموال لكي لا يخافوا ويتوقفوا عن توليد أبطال إخراج خيرات البلدان.
لنتفق على قبول فكرة أن تملك البرجوازية الوطنية المليارات لكن الشرط اللازم لتكون وطنية هو بقاء الأموال داخل البلاد واستخدامها لتنميته ثقافياً وعلمياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وفي حال استثمار الأموال خارج البلاد يجب أن تتضخم كتلتها لتعود إلى موطنها بكميات أكبر مما تم إخراجه منها، هناك فرق بين الظن بأنها وطنية وبين حقيقة كونها حصان طروادة وظيفتها فتح ثغرات في الحصون لنخر بنية المجتمعات ونهب ونقل خيراتها إلى دول أخرى.
كيف تستطيع رأسماليات أخرى تكوين شركات عملاقة في كثير من الدول وتسجيل مئات براءات الاختراع وتأسيس الجامعات وتطوير المعارف بينما الهم الوحيد لرأسماليتنا المشوهة هو الحصول على براءات اختراع في تهريب الأموال والتهرب من الضرائب وإبقاء الحال القائم على ما هو عليه.

اقرأ أيضاً: هروب المجتمعات من ضميرها _ أيهم محمود

المال الحلال ـ إن تجاوزنا الأفكار الاشتراكية ولم نتحدث بمنطقها ـ هو المال الذي تولّده البلاد ويبقى فيها ويبقى خادماً لتنميتها وارتفاع شأنها وهذه ليست حال أموالنا المنهوبة فلا تمييز بين مال فساد ومال حلال في أزمة المصارف اللبنانية، هناك مالٌ واحدٌ منهوب وما الخصام بين أصحابه إلا خلاف الأخ مع أخيه بعد رفع الغطاء عن حجم الأموال المتكدسة في المصارف بعيداً عن بلدٍ يعاني أهله الحصار والجوع ويحتاج تنميةً عاجلة وحقيقية بينما يقف أهله المتخمين بخيراته والقادرين على المساعدة يستمتعون بمشاهدته وهو يهوي ويحترق، لا توجد كلمات مهذبة تصف ما حدث ولا توجد أوصاف مهذبة تليق بالأخوة المختصمين الذين يريدون أن نتعاطف معهم الآن ونعيد إحياء الخلافات السياسية القديمة لكي ننسى أفعالهم السابقة وأفعالهم اللاحقة.
لماذا يستطيع الرأسمالي الألماني تنمية مجتمعه، لماذا يستطيع البريطاني والأمريكي والكوري والياباني فعل ذلك أيضاً، ولماذا تبقى وطنيتنا المصونة (رأسماليتنا) ووطنية بقية دول المنطقة عاجزة عن فعل ذلك، كيف نهضت دول شرق آسيا وكبونا نحن، هذا سؤال أخلاقي مشروع يجب أن يكون بوابة فهم خلل ثقافتنا والفهم الملتبس المشوش لمصطلحي الحلال والحرام، حلال حين يتحول المال إلى وسيلة لتبادل السلع في البلاد وحرام حين يتحول إلى آلية لسرقة خيرات البلاد وتحويلها باتجاه دول أخرى، ربما حان الوقت الآن لإعادة النظر والشك ليس في كلمة وطنية فقط بل أيضاً في كلمة برجوازية أو رأسمالية لأني أنظر جيدا وبعينين مفتوحتين على أقصى اتساعهما ولا أستطيع مع ذلك أن أراها.

اقرأ أيضاً: حاجة السوريين إلى عقد اجتماعي جديد- أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى