الاسكندر والشرق الأوسط الجديد .. حسان يونس

مشروع الشرق الأوسط الجديد نسخة عن مشروع الإسكندر المقدوني “عالم جديد”.. هل يعيد التاريخ نفسه؟
سناك سوري-حسان يونس
بعد انتصاره على الفرس في معركة إيسوس 333 ق.م (قرب ممر كيليكيا في خليج مدينة الإسكندرون)، اجتاح الاسكندر المكدوني الساحل السوري في أول غزو إمبراطوري غربي شهده الإقليم لتأمين خطوط مواصلاته البحرية، خاصة وأن الأسطول الفينيقي كان داعما للفرس، فسقطت أمامه كافة المدن- الدول الفينيقية ما عدا صور التي رفضت استقباله داخل أسوارها بتحريض فارسي؛ قرطاجي، فحاصرها سبعة أشهر وأسقطها 332 ق.م بمعونة بحرية من أخواتها الفينيقيات صيدا وأرواد وجبيل، وارتكب فيها مجازر مريعة، ومن ثم تابع طريقه ليصطدم بحجر عثرة آخر في طريقه إلى مصر هي مملكة غزة، التي حاصرها ثلاثة أشهر ثم قتل ملكها بطريقة مريعة وذبح سكانها وأحرق القرى حولها وهدم أسوارها.
بعد صور وغزة لم يصادف الإسكندر أي مقاومة تذكر على امتداد الهلال الخصيب، حيث التقى الجيش الفارسي في معركة غوغميلا 331 ق.م قرب الموصل شمال العراق، محققا انتصارا حاسما سمح له بدخول بابل وسوسة عاصمة الفرس الأخمينيين في ذات العام، ولم يكن الإسكندر المقدوني مجرد قائد عسكري، بل كان لديه مشروعه الحضاري الخاص القاضي ببناء (عالم جديد) تتلاقح فيه الثقافات الغربية والشرقية ضمن مزيج حضاري واحد سمي المزيج الهلنستي، وهو المشروع الذي أكمل بنائه من بعده قادته البطالمة والسلوقيين من خلال الإمبراطوريات البطلمية والسلوقية في كل من مصر وسورية ذات الطابع الحضاري الهلنستي، حيث أصبحت الثقافة اليونانية تزاحم الثقافة الآرامية التي كانت طاغية في المنطقة وفي هذه المرحلة من التاريخ تحولت أرض كنعان إلى فلسطين التي كانت تسمية تطلق على جنوب أرض كنعان فقط (قطاع غزة).
إن تاريخ هذه المنطقة ماكر وغريب في مكره، فبعد أربعة وعشرون قرنا على الحرب الإغريقية الإحمينية التي انعقدت إحدى حلقاتها المدمرة حول صور وانعقدت الحلقة الأخرى حول غزة نجد أنه وفي سياق نزاع فارسي -أمريكي معاصر وفي شهر حزيران من العام 2006 أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندليزا رايس) ولادة “الشرق الأوسط الجديد” خلال حرب تموز 2006 التي خاضها الإسرائيليون- الأمريكيون على جنوب لبنان الذي تمثل صور عاصمته السياسية والتاريخية، ونجد بعض الجماعات السياسية في لبنان وفي الإقليم شاركت الأمريكيين- الاسرائليين حربهم ضد (صور) أسوة بالاخوات الفينيقيات قبل أربعة وعشرين قرناً، كانت الولادة متعثرة وأريد إنجاحها في مكان آخر فكانت الحرب الصهيونية على غزة نهاية 2008 و بداية 2009 وفي سياق النزاع الإقليمي القديم الجديد ذاته.
إن مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” هو سليل مصطلحات أخرى مثل “النظام العالمي الجديد، الشرق الأوسط الكبير” وقد أعلنه الرئيس بوش الأب بعد حربه على العراق 1991، وعاد وجدد الإعلان عنه إبان الحرب الأميركية والإسرائيلية في تموز 2006 على جنوب لبنان وكانت حرب نيسان 1996 على جنوب لبنان إحدى محطاته غير المعلنة، وكذلك كانت حروب غزة 2008 و2012 و2014 حلقات في صراع قديم جديد يأبى الاكتمال، ويتصل بنزاع النفوذ الغربي الفارسي في الإقليم، والذي لم يحسم بعد سواء في محطاته الساحلية المتوسطية في صور وغزة أو في محطاته الداخلية العراقية في بغداد والموصل.
هذا الصراع الذي يأبى الاكتمال مثّل فيما مضى، ويمثّل اليوم الكثير من التجاذب العنيف والمدمر في كيانات الهلال الخصيب، والخطأ القاتل الذي وقع خلال الاجتياح المقدوني أو خلال الزمن الراهن، أن يعتقد أحد من الفاعلين في المنطقة أنه جزء أصيل من هذا الصراع، أو أنه معني بأن يكون رأس حربة فيه لصالح أي من أطرافه.
الخطأ القاتل أنه لم يكن للفينيقيين هوية جامعة تميزهم عن اليونانيين أو عن الفرس، وإلا لما استطاع الاسكندر أن يحاصر صور ويقتحم أسوارها لأنه كان بلا سفن أو في الحد الأقصى لم يكن لديه السفن الكافية، وهذا الخطأ لا زال ساري المفعول حتى اليوم وهو يتركنا مشتتين مشردين بين أطراف الصراع بلا هوية أو مصالح واضحة محددة.
اقرأ أيضاً: سوريا وتاريخ من الغزو باسم الله – حسان يونس