
قالت صحيفة النهار اللبنانية، إن الولايات المتحدة أبلغت البعثة السورية الدائمة في نيويورك، عبر مذكرة رسمية نقلتها بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بتغيير وضعها القانوني، من بعثة دائمة لدولة عضو في الأمم المتحدة إلى بعثة تمثل “حكومة غير معترف بها” من قبل واشنطن، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول رمزية تلك الخطوة.
سناك سوري-دمشق
المذكرة التي تم تسليمها في 3 نيسان الجاري، تضمنت كذلك إلغاء تأشيرات أعضاء الوفد من فئة G1 الخاصة بالدبلوماسيين المعتمدين رسمياً، وتحويلها إلى فئة G3 التي تمنح للأفراد المؤهلين أممياً من دون اعتراف الولايات المتحدة بحكوماتهم.
وأشارت الوثائق المرفقة إلى أن البت بطلبات التأشيرات الجديدة سيكون من اختصاص الهيئة الأميركية لخدمات المواطنة والهجرة (USCIS)، في ظل إجراءات قانونية جديدة.
الإجراء تقني وأممي لكنه مزعج سياسياً جهاد مقدسي – سياسي سوري
أبعاد تقنية أم سياسية أعمق؟
السياسي “جهاد مقدسي” أوضح في منشور له عبر إكس، أن المسألة ترتبط بلجنة أوراق الاعتماد في الأمم المتحدة، التي تراجع شرعية وفود الدول الأعضاء في حال سقوط أنظمتها.
وأشار إلى أن القرار الأميركي جاء استناداً إلى الحاجة القانونية لتعديل وضع إقامة الوفد السوري الحالي لحين البت بتمثيل سورية الجديد. ورغم وصفه الإجراء بأنه “تقني وأممي”، أقرّ بأنه “مزعج سياسياً” على حد تعبيره.
هناك لجنة في الأمم المتحدة اسمها لجنة أوراق الاعتماد The Credentials Committee يتم انتخابها سنوياً من قبل الجمعية العامة عند بداية دورتها، ورغم انها جزء من الجمعية العامة لكن بإمكانها اتخاذ قرارات ذات أثر كبير له علاقة بشرعية ممثلي الدول الأعضاء في حال سقوط نظام ما. ما حصل…
— Makdissi (@Makdissi) April 7, 2025
أما الصحفي “عبد الله علي” فانتقد تفسير “مقدسي”، معتبراً أن القضية لا تتعلق بلجنة أوراق الاعتماد الأممية بل بقرار أحادي من وزارة الخارجية الأميركية، وأكد أن الموضوع “سياسي بامتياز” ومرتبط برفض واشنطن الاعتراف بالحكومة السورية الحالية ما لم يتم تحقيق شروط معينة.
وقال في منشور له عبر فيسبوك: «ينبغي عدم نسيان أن الغرب لم يمنح دمشق”شيك على بياض” بل تم الكشف عن قائمة الشروط المطلوبة في الاجتماع الذي سربته رويترز. كما أن موقف الخارجية الأميركية تعقيباً على التشكيلة الوزارية تضمن كذلك قائمة شروط أميركية أبرزها ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب والكيماوي وغيرها»، مشيراً أن الاعتراف الأميركي سيكون متعلقاً بتحقيق هذه الشروط وليس باستكمال عملية تقنية بحتة.
ويوافقه الرأي زميله الصحفي “نضال معلوف” الذي رأى في القرار نكسة حقيقية للسلطة الانتقالية الجديدة في سوريا، واعتبر أن معالجة تبعات القرار لا تكون بالتقليل من شأنه بل بالعمل على الاستجابة لمتطلبات المجتمع الدولي، محذراً من أن تجاهل تداعياته قد يؤدي إلى عزلة سياسية أكبر مما عاناه النظام السابق.
تحوّل استراتيجي أميركي؟
من جهته، رأى الباحث السوري الخبير في الشؤون الدولية “مالك الحافظ” أنه لا يجب النظر إلى الإجراء الأميركي كأداة ضغط دبلوماسي فقط، بل كمؤشر لتحول جوهري في سياسة واشنطن تجاه الملف السوري.
واعتبر “الحافظ” في تصريحات نقلتها “النهار” اللبنانية”، أن القرار يؤسس لمرحلة “ما بعد الاعتراف”، حيث قد تتجه الولايات المتحدة إلى تجميد علاقاتها مع أي سلطة لا تتوافق مع رؤيتها لمستقبل سوريا، حتى لو لم تتوفر بدائل جاهزة.
“الحافظ” قال إن الخطوة تعكس رفض واشنطن للمساهمة في شرعنة سلطات جديدة قد تعيد إنتاج الاستبداد أو الإقصاء تحت أي لافتة دينية أو عسكرية، في ظل مراجعة أوسع للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
قد تتجه الولايات المتحدة إلى تجميد علاقاتها مع أي سلطة لا تتوافق مع رؤيتها لمستقبل سوريا، حتى لو لم تتوفر بدائل جاهزة مالك الحافظ – خبير بالشؤون الدولية
والأهمّ بحسب وجهة نظره فإن هذا الإجراء يفتح الباب أمام مقاربات متعددة الجنسيات لمسألة التمثيل الرسمي لسوريا دولياً، وقد يدفع جهات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في طريقة تعاملهم مع مؤسسات السلطة السورية الجديدة ما لم تلتزم بخط سياسي مدني وشامل.
بين من يرى القرار الأميركي إجراءً تقنياً مرتبطاً بإجراءات الهجرة ومن يعتبره خطوة سياسية تعكس تحولاً أعمق في الموقف الدولي تجاه السلطة السورية الجديدة، يبقى الحدث محط أنظار الأوساط الدبلوماسية والسياسية، بينما يبقى مستقبل التمثيل السوري في المحافل الدولية رهناً بمدى تجاوب السلطات السورية مع متطلبات المجتمع الدولي، وسط احتمالات مفتوحة بين تثبيت الاعتراف أو استمرار الضغوط السياسية.