قبل احتفالات رأس السنة فلنهدأ قليلاً ولنفكر لماذا الرصاص؟ – ناجي سعيد
بماذا نحتفل لنمطر وابل رصاصنا فوق رؤوس الأبرياء.. هل فرحنا يعني إصابتهم؟
يتميّز العنف بـ “ردّة الفعل” التي تدفع كلّ تصرّفات الإنسان لأن تكون سلوكًا عنيفًا لا عقلانيًّا. حيث تدفع العواطفُ الإنسانَ لأن يستعجل ردّة الفعل دونما تفكير ورويّة. فكما سرت موضة “تشجيع” منتخبٍ ما في المونديال، دون تبرير عقلاني لأسباب التشجيع، ولا أشمل العموم. فقد تجد مشجّعين اختاروا منتخبًا بشكل عقلاني ولأسباب رياضيّة بحتة.
سناك سوري-ناجي سعيد
أمّا الآن، وقد انتهت موضة التشجيع بالمونديال، بعد أن احترف روّاد وسائل التواصل الاجتماعي التنمّر و”التزريك” على الفرق الخاسرة..والرابحة أيضًا. نحن الآن مُقبلون على موضة جديدة، وهي ليست موضة بل “غِيرة من بعض”، وتعاطي الناس مع هذه المناسبة جعلها موضة.
نعم فنحن في الأسبوع الثالث من شهر كانون الأوّل، وهذا ما يجعل الناس تتهافت على الأسواق للتحضير للسهرات، ممّا يجعلك تأخذ انطباعًا بأن “الدنيا بألف خير”! وليس هذا “نقًّا”، بل نقدًا على وعي الناس. وانتقادًا لمعرفة ذواتهم وما يحتاجون فعلاً.
فنهاية السنة الميلاديّة هي ذكرى ميلاد السيّد المسيح، وهذا التاريخ جعل تأريخنَا ميلاديًّا. وبالتالي المناسبة دينيّة، وهذا من حقّ الناس أن تحتفل بهذه المناسبة، وأنا لا أطلب من المُتديّنين – مهما كان دينهم- عدم الإحتفال بهذه المناسبة. ولكن أودّ لفت النظر إلى ما جرى بهذه المناسبة الدينية ويجري دائمًا، فالمشكلة مع الناس لا تكمن في الاحتفال، بل في طريقة التعبير عنه.
اقرأ أيضاً: الهوية الرياضية بعيدة عن الهوية السياسية – ناجي سعيد
فالعنف والسلاح هما سيّدا الموقف، ففي سنوات مضت خسرنا أرواحًا نتيجة تساقط الرصاص الطائش الذي أُطلق ابتهاجًا بالأعياد. وهناك العديد من الحرائق نتجت عن الألعاب الناريّة هذا في حال عدم امتلاك المحتفلين السلاح ليستعيضون عنه بالألعاب الناريّة.
والمشكلة تكمن في مفهوم “التعبير”، وهذا يعود إلى التربية، فمن تعنيفنا التربوي لأطفالنا، نجعلهم يكتسبون طريقة عنيفة للتعبير عن مشاعرهم ورغباتهم. ومن هنا يظنّ الناس بأن مشاعر الفرح لا تكتمل لديهم إلاّ إذا اتّبعوا طُرقًا عنيفة، والمشكلة ليس فقط في الطريقة هذه، لا بل في نتائج هذه الطريقة.
لذا ابتكر الخبراء والمفكّرون في مجال تحويل النزاع نظريّة “لا ضرر لا ضرار” أو “لا تؤذِ” (do no harm) ومفادها بأن النهج الذي يتبعه الإنسان لتحويل أي نزاع يجب أن يأخذ بعين الإعتبار ويحرص على عدم تسبّب أذى لآخرين.
فلو كنت تحتفل تعبيرًا عن فرحك وابتهاجك بمناسبة رأس السنة، عليك أن تتأكّد من أن احتفالك لن يؤذي أحدًا مارًّا في الطريق. المشاعر الجميلة التي يحملها ناس مُعيّنون، قد تكون أذىً وحزنًا لآخرين. فما نفع الاحتفال والفرح هنا؟ وليس هناك وصفة لمنع أو إيقاف المشاعر التي تنتج عن تفاعلات بيولوجيّة داخل جسم الإنسان، ولكنّ جهدًا آخر يجب بذله، وهو في نطاق آخر غير بيولوجي، بل إنساني اجتماعي، يرفع نسبة الوعي لمراعاة فهم ومشاعر، بل أرواح الآخرين.
وبغضّ النظر عن أن مناسبة رأس السنة الميلاديّة هي مناسبة عامّة، وقد يكون الاحتفال في مساحة عامّة أيضًا، إلاّ أن احترام المساحة الخاصّة ضروري لإكتمال الفرحة بالمناسبة العامّة. ولا أودّ أن أتكلّم وأُنظّر على موضوع الرقابة التي تخرج عن السيطرة، بل أطمح لامتلاك الناس وعيًا بذلك، لأنّ عامّة الناس تنهال بالشتم والسباب فقط على مُطلقي النار والألعاب النارية ابتهاجًا، وهذا مؤشّر واضح على عجزهم بالتغيير لضبط “طريقة” التعبير عن المشاعر، لنضمن احتفالات تعكس فرحًا عند الجميع، فلا يصيبنا ما قاله “فيلمون وهبي” في إحدى المسرحيات:
خِربتْ عِمرتْ.. حايد عن ضهري..بسيطة.