الرئيسيةرأي وتحليل

سوريا التاريخية.. نساء صانعات سلام -حسان يونس

نماذج لسيدات سوريات أخضعن السلطة للحضارة.. فأين سيدات اليوم منهنّ؟

سناك سوري-حسان يونس

بمناسبة يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار، وبمناسبة توقيع اتفاق “استراحة المحارب” بين تركيا وروسيا منذ أيام في الخامس من آذار، يطيب لي أن أتذّكر الأميرة الميتانية السورية «تادو-خيبا» ابنة الملك الميتاني توشراتا الذي حكم أعالي الفرات في الألف الثاني قبل الميلاد، حيث تزوجت تادو-خيبا من الفرعون المصري أمِن حوتب الرّابع المعروف بأخناتون 1370 ق.م فكان زواجها اتفاق سلام رسّم حدود مناطق النُّفوذ بين المملكتين الميتانية والمصرية بعد صراع مرير.

الصراع بين المملكتين كان قد انطلق من سيطرة الميتانيين بقيادة الملك باراتارنا على حلب في نهاية القرن السّادس عشر ق.م، الأمر الذي أغضب الملك المصري تحوتمس الثالث فكانت معركة مجيدو الشّهيرة (تل مجيدو يقع في فلسطين اليوم)، التي شارك فيها الميتانيون إلى جانب تحالف المدن-الممالك الكنعانية بقيادة ملك قادش حوالي منتصف القرن الخامس عشر سنة 1,457 ق.م، وانتصر فيها الملك المصري الذي تابع تقدمه في غرب مملكة ميتاني مسيطرا على المناطق الواقعة على ضفاف النّهر مُمتَدةً من كركميش (جرابلس) إلى إيمار (مسكنة قرب حلب اليوم).

اليوم تختلف الروايات حول كون “تادو-خيبا” هي “نفرتيتي”، فهناك روايات تقول أن نفرتيتي هي زوجة أخرى لأخناتون من أصول مصرية، ولكن ما يهم في الأمر أن زواج تادو-خيبا من أخناتون كرّس السلام في الإقليم السوري الذي كان موضع صراع مرير.

في مناسبة يوم المرأة العالمي كذلك، وبمناسبة احتشاد اللاجئين من مختلف الجنسيات على الحدود التركية الأوروبية يطيب لي أن أتذكر الأميرة أوروبة ابنة اجينور ملك صور، فوفقا ليوسف الحوراني في كتابه “لبنان في قيم تاريخه ” فإن ما يروى من أسطورة خطف الإله الإغريقي زيوس لأميرة صور أوروبة وذهاب إخوتها قدموس وكيليكوس للبحث عنها، إنما هو حجّة ابتكرها الفينيقيون لتغطية أهدافهم في التوسع والاستيطان والتلاقح حضاريا مع سكان الجزر اليونانية وآسيا الصغرى، حيث استعمر كيليكوس منطقة كيليكيا شمال سورية، التي لا تزال تحمل اسمه كما تحمل أمريكا اسم مكتشفها.

اقرأ أيضاً: هكذا قدم الأميركيون السوريين أضاحي لـ”مولوخ”-حسان يونس

ويورد “يوسف حوراني” الكثير من المصادر والشواهد التي تؤكّد الوجود الفينيقي في كيليكيا وآسيا الصغرى، وأما قدموس فلم يكن هو الآخر مجرّد أمير باحث عن أخته المختطفة، بل قائد جيش وصاحب مشروع أسّس عدة مدن مثل قدميا وطيبة وترك عدة مستوطنات وآثار في الجزر اليونانية .

في مناسبة عيد المرأة واحتشاد اللاجئين على تلك الحدود والمحاولات السياسية لاستعمالهم يطيب لي أن أتذكر كذلك، أليسار ملكة قرطاج، التي حذت حذو أجدادها قدموس وكيليكوس، وانتقلت من صور في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وأسست قرطاج على الساحل الإفريقي، ومن ثم انتشرت المستعمرات الفينيقية كعقد اللؤلؤ على كامل سواحل المتوسط شمالا وجنوبا.

وفي مناسبة عيد المرأة لا بد من تذّكر جوليا دومنا، التي حكمت روما في القرن الميلادي الثالث خلال عهد زوجها سبتموس سفيروس وابنها كاراكلا، وكذلك أختها جوليا ايميسا، التي حاربت الإمبراطور الروماني ماكسيموس المتهم باغتيال كاراكلا، وانتزعت منه عرش روما وحكمتها خلال عهدي حفيديها إلاغابالوس وأليكساندر سيفروس، فكانت الجوليتان الأختان نموذجا لقدرة المرأة السورية على المزج الحضاري وإيقاد شعلة التأثير والتغيير في بيئة غريبة أسوة بأوروبة وإخوتها وبأليسار.

أسوة بكل من سبق يطيب لي أن أتذّكر الملكة نقية (ذاكوتا) التي كانت فتاة آرامية التقاها الملك الآشوري سنحاريب في بانياس جنوب دمشق عند عودته من حملة في أرض كنعان، فتزوجها ثم حكمت الدولة الآشورية الحديثة في القرن السادس ق.م خلال عهد زوجها وابنها اسرحدون وحفيديها آشور بانيبال الذي ولّته عرش الدولة الآشورية، وشمش شم-اوكن الذي ولّته عرش بابل بعدما أعادت إعمارها، وهي المدينة التي دمّرها تماما زوجها سنحاريب، وكان للملكة نقية ولمعلّمها الشهير احيقار دور في إدخال اللغة والثقافة الآرامية إلى الدولة الآشورية لتصبح خلال قرن لاحق اللغة والثقافة العالمية.

اقرأ أيضاً: المرأة في التاريخ السوري نافذة حضارة – حسان يونس

في كل ما سبق كانت المرأة السورية عنوانا للتسوية وإحلال السلام وتدوير الزوايا وتلاقي الشعوب والثقافات وإخضاع السلطة للحضارة .

على النقيض من ذلك نجد أن المرأة في محيط الإقليم السوري كانت عنوانا للصراع وصاعق تفجير للكثير من الحروب الخالدة في الذاكرة البشرية، كحروب طروادة التي تنسبها ملحمة هوميرس “الالياذة” الى خطف باريس ابن ملك طروادة للأميرة اليونانية أثينا، كما كانت الملكة المصرية البطلمية كليوباترة الشهيرة بإغرائها الطاغي لكل من القيصر الروماني يوليوس قيصر، ومن ثم القائد الروماني مارك انطوني، كانت كليوباترا بأنوثتها القاتلة وبأحلامها القاتلة في عرش روما عنوانا للحرب الرومانية –اليونانية في مصر، والتي انتهت إلى اغتيال يوليوس قيصر بداية ومن ثم إلى سقوط مصر بيد الرومان، وانتحار كليوباترا بعد هزيمة قواتها المشتركة مع مارك أنطونيو أمام جيوش أوكتافيان الرومانية عام 30 ق.م، وعلى ذات المنوال فان معركة ذي قار الشهيرة بين كسرى وبكر بن وائل 610 م كان سببها أن كسرى طلب امرأة من المناذرة جارية له.

اقرأ أيضاً: أرواد وابنتها عمريت… حاضر يذكرنا بالتاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى