تغيّرت معالم المجتمع السوري خلال سنوات الحرب على وقع تغيّر الظروف المعيشية، لكن الدراما السورية المعاصرة أغفلت رصد هذا التغيير.
سناك سوري _ دمشق
فكما بدأ السوريون يرون دخول النساء إلى مهنٍ لم يعهدنها في السابق مثل قيادة السيارات العمومية. فقد غاب عن دراما ما بعد الحرب رصد هذا التغيير وطرحه في أعمالها لا سيما أنه نجم عن تدهور الأحوال المعيشية وفقدان كثير من الأسر لمعيلها خلال سنوات الأزمة. ما دفع نساءً لخوض تجربة قيادة التكسي كما رأينا في شوارع “دمشق” و”اللاذقية” و”حلب”.
فقبل الحرب طرح مسلسل “حكاية خريف” عام 2004، للمخرج “فهد ميري” والكاتب “حسن سامي يوسف”. قصة “سندس” التي جسدتها الفنانة “سلافة معمار”. كامرأة أجبرها ضيق الحال الاقتصادي أن تعمل كسائقة.
وظهرت “سندس” التي لم تُتم تعليمها بعد الثانوية العامة. ببشخصية قوية تملك ما يكفي من القناعة أن لاشيء صعب عند الراغب بتحسين أموره. وكان جوابها «بسوق من الشحن للتكسي» كفيلاً بالبرهنة على فكرة أن على الإنسان الاستعداد لمواجهة كل شيء يعترضه.
سائق التكسي في الدراما
في المقابل كان تناول الدراما لشخصية سائق التكسي الرجل نمطياً معتاداً بوضعه في إطار السائق الفضولي كثير الكلام الذي يرفع صوت الأغاني في سيارته ويوجّه الكلمات الغاضبة للسائقين من حوله.
ولعل شخصية “سامر المصري” في مسلسل “أبو جانتي” تأتي في مقدمة الصور التي يتم استحضارها لدى الحديث عن سائق التكسي في الدراما السورية.
وقدّم المسلسل “أبو جانتي” على أنه إنسان بسيط وشهم. لكنه فضولي نوعاً ما ويجيد التدخل بحياة زبائنه لمعرفة قصصهم وتفاصيلهم. مع إظهار حبّه لمهنته وسيارته باعتباره “ملك اللانسر” الذي لا تفارق المنشفة المبللة رقبته لتخفيف حرّ الصيف. في اختصار درامي لنماذج كثيرة من السائقين الذين اعتادوا افتتاح أحاديثهم مع الزبائن بالكلام عن أسعار البنزين والأعطال والازدحام.
يجول سائق التكسي شوارع المدن ويشكل بوابة تُخفي وراءها مئات القصص إن لم يكن أكثر. نظراً لمهنته التي تفرض عليه التعرف على شخص جديد بمعدل كل ساعة تقريباً.
إلا أننا وبالعودة لذاكرة الدراما السوربة، والتي من الممكن أن يكون قد تم نسيانه فيها. لم نرَ خلال أي عمل الخلفية الحقيقة لسائق التكسي. وما الذي دفعه لأن يتحلى بتلك الصفات.
وهل فضوله هو وليد مهنته التي تتطلب الجلوس بالسيارة لساعات طول والتعرف إلى الناس؟. ولكن أليس من الممكن أن نشاهد يوماً ما سائق تكسي صامت وهادئ ولا يهمه التطفل على حياة زبون لن يرافقه أكثر من دقائق معدودة؟.
هذا التنميط الذي اتبعته الدراما السورية في تناولها سائق التكسي يظلم إلى حد ما أصحاب المهنة مع استحالة أن يكونوا مجتمعين يتحلون بالصفات ذاتها. ما يدفع للقول أن على الدراما أن تكون أكثر واقعية من ناحية طرح دخول المرأة السورية على خط مهنة القيادة خلال سنوات الحرب من جهة. ومن ناحية التعمق أكثر في تناول سائق التكسي وصفاته وظروفه.