أخر الأخبارالرئيسيةحرية التعتير

انتحار شاب سوري في لبنان .. اللاجئون بين الحملات الأمنية وسياسات المانحين

صمت دولي حيال انتهاكات بحق السوريين .. لاجئون يعيشون على أعصابهم

«يا أمي سامحيني الدنيا صعبة عليي.. وأنا تعبت والله» بهذه الكلمات أنهى الشاب “بشار وحيد المحمد” البالغ من العمر 22 عاماً حياته تاركاً رسالة تحمل الكثير من الألم واليأس، داخل مخيم “رقم 018” للاجئين السوريين في بلدة مجدل عنجر بمحافظة البقاع الأوسط اللبنانية.

سناك سوري _ نور سليمان

جاءت الحادثة المأساوية بالتزامن مع تصاعد موجة العنصرية ضد اللاجئين السوريين في “لبنان” .وحملات الترحيل القسري التي قادتها الحكومة اللبنانية رغم التحذيرات الدولية من خطورة ذلك لما يمثله من انتهاك لحقوق الإنسان.

لاجئون تحت رحمة السياسة

اللاجئون السوريون أمام هوّة سياسية وقوة يفرضها ساسة التيارات والأحزاب اللبنانية. حيث نشرَ رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” عبر حسابه في إكس. يوم الأربعاء 24 نيسان. تغريدة يقول فيها: «بريطانيا دولة القانون والمؤسسات، دولة حقوق الإنسان والحرية والعدالة، أقر مجلس نوابها (مجلس العموم) قانوناً بترحيل كل مهاجر غير شرعي».

وطالب إثرها “جعجع” رئيس الحكومة اللبنانية، “نجيب ميقاتي”، ووزير الداخلية “بسام مولوي” أن يحذوا حذو بريطانيا، وأن يعملا “على متابعة عمل الأجهزة الأمنية من أجل إعادة اللاجئين غير الشرعيين إلى سوريا”.

هذه المطالب ليست بجديدة، فقد توالت التصريحات ومطالبات بعض اللبنانيين بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وخصوصاً مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان. وتحميل الطبقة السياسية اللبنانية مسؤولية الانهيار للاجئين للتهرب من تحمل مسؤولية ما جرى على مدى أكثر من 30 عاماً.

سبق ذلك أن خرج وزير المهجرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال “عصام شرف الدين” باقتراح ترحيل 5 آلاف سوري أسبوعياً في قوارب. وإرسالهم إلى “كندا” و”أمريكا” وقال أن “لبنان” يتكلف مليارين ونصف المليار دولار سنوياً على اللاجئين. مكرراً سردية تحميل اللاجئين مسؤولية استنزاف الاقتصاد اللبناني. وقال أن ترحيل اللاجئين إلى شمال “سوريا” بالتنسيق مع “دمشق” أحد الخيارات المتاحة.

حملات عنصرية تستهدف السوريين

تصاعدت خلال الآونة الأخيرة الحملات التي تستهدف السوريين ووصلت إلى حملات تقودها السلطات الأمنية اللبنانية الرسمية. وشملت مناطق عدة في “لبنان” بدءاً من “بيروت” وليس انتهاءً بـ”عكار” و”طرابلس”. وشملت ترحيل اللاجئين قسراً وإقفال محال تجارية لسوريين. فضلاً عن اعتقال لاجئين بتهمة عدم امتلاك أوراق ثبوتية وأذونات عمل في وقت يكاد يكون استخراج هذه الثبوتيات شبه مستحيلاً للاجئين بسبب مصاعبه وتكاليفه.

في الأثناء أصدر الأمن العام اللبناني بياناً “لتنظيم الوجود السوري في لبنان”، ويشير الأمن العام عبر بيانه إلى فرض المزيد من الإجراءات الصارمة تجاه اللاجئين السوريين، بخاصة أن الإقامة التي تخوّل اللاجئ البقاء بشكل قانوني في لبنان باتت تخضع لإجراءات أكثر تعقيداً، وتتطلب دفع مبالغ طائلة لا يملكها معظم اللاجئين.

يقول “عمر غزال” لـ سناك سوري وهو لاجئ في منطقة بعلبك، ويعمل منجد مفروشات: «هي المرة غير كل مرة، نحن بلبنان قاعدين على أعصابنا. في حملة بكل المناطق على كل شخص سوري. هلأ بلشوا بالمحلات وحتى عم ينصبوا حواجز عالطريق وعم يوقفوا السيارات. وكل يوم بفكر كيف بدي روح على شغلي».

وأشار “غزال” إلى أن شخصاً سورياً يملك سوبر ماركت في المنطقة. ويبلغ من العمر نحو 60 عاماً ومتزوج من لبنانية. لكن الأمن العام قام رغم ذلك بإقفال محله بالشمع الأحمر واعتقاله مع العمّال. كما تم اعتقال صهره الشاب الذي يملك محل خضار وأغلقوا محله في منطقة “سرعين” التابعة لـ”بعلبك”.

الحملة لا تقتصر على المخالفات والمحلات غير النظامية بحسب “غزال” فالمحال القانونية 100% في “بيروت” والمرخصة أصولاً. ورغم اشتراك أصحابها في غرفة التجارة ودفعهم للرسوم تم إغلاقها بشكل تعسفي بحجة أنه من الممنوع أن يكون السوري رب عمل.

بين دعم العودة وانتهاكات الحقوق

تزعم الكثير من الأطراف السياسية سواءً في “لبنان” أو في المجتمع الدولي. أنها تدعم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. لكنها سرعان ما تربط بين دعم العودة وأهدافها السياسية على غرار ما تفعل الدول الأوروبية التي تؤكد أنها لن تدعم أي إعمار في “سوريا” قبل التوصل إلى حل سياسي. على أن الحل السياسي يجب أن يتوافق مع أجندة هذه الدول وتفسيراتها.

من جانب آخر فإن دعم عودة اللاجئين لا يعني قبول ما يحدث من انتهاكات جسيمة وواضحة بحقهم. لا تراعي أي حقوق إنسانية لهم كالحق في العمل والأمان الشخصي والحماية من الترحيل القسري. في انتهاك معلن لحقوق الإنسان ومخالفة للقوانين الدولية تسكت عنها الدول “المانحة” التي تقول أنها تعنى بالشأن السوري.

من جهة أخرى فإن السلطات اللبنانية التي تورطت بفسادٍ أودى بالاقتصاد اللبناني وبودائع الناس بما فيهم السوريون. تحاول أن تجعل ملف اللاجئين شمّاعة تعلّق عليها أخطاءها. وبوابة لابتزاز الدول الغربية لدفع المزيد من الأموال لا سيما وأن الحملة الأخيرة تزامنت مع مؤتمر “بروكسل” الأخير الذي عاد منه “ميقاتي” بوعود أوروبية بالمساعدة تصل قيمتها إلى مليار يورو. لمساندته أمام التحديات التي يواجهها بسبب استضافة اللاجئين السوريين.

في المقابل يرفض ناشطون وحقوقيون لبنانيون الحملات العنصرية الممنهجة ضد اللاجئين السوريين من منطلق طبيعة القضية إنسانياً. حيث قال رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان “وديع الأسمر” لـ سناك سوري أن ما يحدث حالياً يحمل الكثير من الإشكاليات فمن جهة يحق للدولة اللبنانية تحديد من هم اللاجئون ولكن أخذ قرارات اعتباطية تطال جميع الناس دون أي دراسة لملفاتهم. يعد مخالفة قانونية.

وأضاف “الأسمر” أن رفض الدولة اللبنانية لقوننة وجود اللاجئين وعدم إجراء أي إحصاء لهم منذ 13 عاماً. أدى للوضع الحالي الذي لم يعد يميّز بين من هو لاجئ ومن هو غير لاجئ. بالإضافة إلى عدم معاقبة مرتكبي الجرائم ضد السوريين والمحرضين عليهم يجعل الوضع متأزماً. مبيناً أن من الناحية الحقوقية لا يجوز إنشاء ميليشيات أو مجموعات لملاحقة السوريين بدلاً عن الأجهزة الرسمية التي يجب عليها حماية السوريين في “لبنان” ومنع انتهاك القانون من الجميع.

إلا أن الحلقة الأضعف في هذه المعضلة كانت اللاجئ السوري الذي يجد نفسه ضحية إجراءات عنصرية تعسفية. ويقع بين ناري أجندات المانحين من جهة وأهداف الحكومة اللبنانية من جهة أخرى. فتقفل أرزاقه ويرحل بشكل قسري ومفاجئ دون مراعاة لظروفه الإنسانية.

وبينما تتذرع عدة أطراف بالعقبات الأمنية التي تقف أمام قسم من اللاجئين وتمنعهم من العودة. فإن القسم الأكبر منهم لا يبحث عن عودة إلى بلادٍ تدهور اقتصادها وتدمرت بنيتها التحتية وانهارت خدماتها ووصل التضخم فيها إلى مستويات غير مسبوقة. بينما لا يتدخل المجتمع الدولي في إصلاح هذه الظروف والعقبات لتأمين عودة آمنة وطوعية حقيقية للاجئين بعيداً عن التصريحات الإعلامية.

زمالة سناك سوري 2024

إشراف: محمد العمر

زر الذهاب إلى الأعلى