اللامركزية في سوريا … طريق للتعافي أم بوابة للتقسيم؟
الإدارة المحلية تعاني مشاكل معقدة ولم تستفِد من الإمكانات المتاحة في القانون الجديد
تزايد دور الحكومات بعد الحرب العالمية الثانية. إثر التخلص من الاستعمار وتحقيق الاستقلال لا سيما في الدول النامية التي تبنت نهجاً مركزياً في إدارة شؤون البلاد من أجل تحقيق نهضة تنموية اقتصادية واجتماعية سريعة.
سناك سوري _ فراس سلمان
حيث قامت السلطة المركزية في هذه البلدان بتهيئة الحاجات الأساسية للأقاليم والمحافظات. كالتعليم، والصحة، والمياه، والكهرباء…..الخ. وبعد فشل أغلب السياسات الحكومية المركزية في تحقيق تنمية شاملة للبلدان بدأت المطالبات باللامركزية من قبل السكان.
فالحكومات المركزية وبسبب سياساتها التنموية غير العادلة. جعلت السكان في المجتمعات المحلية غير راضين عن الأداء الحكومي. مما شجعهم على المطالبة باللامركزية. ومن جهة أخرى جاء التطور الذي شهده العالم والمتمثل بظهور مفاهيم العولمة. واللامركزية والتنمية المحلية , والتي عززت من خيارات تبني اللامركزية والحد من نفوذ الإدارات المركزية التقليدية. وتركيز سلطة القرارات بأيدي سلطة حاكمة المركزية. وكذلك بسبب تنوع البلدان دينياً وعرقياً وإثنياً. وانتشرت فكرة أن التطبيق الناجح يؤدي حتماً الى الحد من البيروقراطية التي تسببت بضياع التنمية، وتهميش المجتمعات المحلية.
وفي “سوريا” أصبحت اللامركزية الإدارية أحد المصطلحات المتداولة سياسياً وشعبياً خلال سنوات الحرب الدموية كأحد مداخل حل الأزمة. لكن المفهوم يتّسع لدى بعض مؤيديها في مناطق سيطرة “قسد” من اللامركزية الإدارية إلى اللامركزية السياسية. بما يتضمّنه ذلك من مخاوف تقع ضمن المحظورات التي تدفع إلى الحذر في التعامل مع المصطلح عند أغلبية السياسيين والناشطين. والذين يعتبرون أن طرح قضية اللامركزية يدخل ضمن سياق خطط وبرامج لتقسيم “سوريا”.
ما هي اللامركزية الإدارية …..وماذا عن اللامركزية السياسية؟
تعد اللامركزية الإدارية أسلوباً من أساليب التنظيم الإداري يقوم على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومية المركزية في العاصمة وبين أشخاص الإدارة المحلية. وبمعنى أدق هي منح “غير قابل للمراجعة” لصلاحيات واختصاصات واسعة إلى الأجهزة المحلية التي تصبح بحد ذاتها مصدراً للسلطة. وغالباً ما تكون منتخبة.
وتتخذ العلاقة في هذا التنظيم الإداري بين المركز (الحكومة ومؤسساتها المركزية) والإدارات المحلية. شكلاً وصائياً من المركز على أعمال الإدارات المحلية لضمان وحدة وسلامة تنفيذ السياسات العامة. ولكن دون مساس بتوزيع الصلاحيات المحدد بين الطرفين.
واللامركزية الإدارية درجات وأنواع فهي تبدأ باللامركزية الإدارية ومن ثم اللامركزية الإدارية المالية ( الموسعة) . كما أن هناك اللامركزية الإقليمية واللامركزية المرفقية. فهذه الانواع من اللامركزية تتوقف على درجة الصلاحيات التي توكلها الحكومة المركزية للمحافظات. أو الاقاليم بشكل كامل.
أما اللامركزية السياسية. فهي أسلوب من أساليب التنظيم الدستوري للدولة وليس الإداري. و يقوم على حساب الوحدة التشريعية و التنفيذية و القضائية فيها. ويتمثل هذا النظام بالولايات و المقاطعات و الأقاليم في الدول المتحدة اتحاداً مركزياً أو الدول ذات النظام الفيدرالي.
واللامركزية السياسية كأحد أنواع النظم السياسية تقترب من الفيدرالية حيث يكون للإقليم اللامركزي سلطة التشريع. أي يستلزم وجود سلطة تشريعية محلية (برلمان محلّي). وسلطة قضائية وبالتالي سلطة تنفيذية تكون وسيلة لتنفيذ ما يصدر عنهما (حكومة محلية).
الإدارة المحلية واللامركزية في سوريا
قد لا يخطر في بال المواطن السوري الغارق في أزماته الخانقة حين يسمع بالجدل الحاصل حول تطبيق اللامركزية في “سوريا”. أن تطبيق اللامركزية هو أول أهداف قانون الإدارة المحلية المعمول به حالياً. وأن هناك خطة وطنية للامركزية الإدارية تعتبر المرحلة الثانية من مراحل التطبيق العملي لقانون الادارة المحلية رقم 107 لعام 2011 بحسب تعبير وزير الإدارة المحلية حينها. وأنه قد تم فعلياً إحداث المجلس الأعلى للإدارة المحلية والذي «شكل في إطار التوجهات لتطبيق لامركزية السلطات والمسؤوليات. وتركيزها في أيدي فئات الشعب تطبيقا لمبدأ الديمقراطية. ووضع الخطط لنقل اختصاصات من السلطة المركزية إلى السلطة المحلية».
حيث يأتي في أول بنود مهام هذا المجلس «وضع الخطة الوطنية اللامركزية وفق برنامج زمني محدد والاشراف على تنفيذها ودعم هذه الخطة والتنسيق مع كل الجهات المعنية في سبيل تنفيذه».
وبناء على ما تقدم فإننا نستطيع الجزم بأن خيار القيادة السورية في الانتقال إلى اللامركزية الإدارية تم التأسيس له قانونياً وبدأ بإجراءات تنفيذه. لأنه سيساهم في تعزيز دور المجالس المحلية في إدارة الشؤون التي تهم المواطنين على المستوى المحلي. ولتميكن هذه المجالس من أداء اختصاصاتها ومهامها في تطوير الوحدة الإدارية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانياً. وتحقيق التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق.
وللعلم فإن الخطة الوطنية للامركزية تعمل على نقل اختصاصات أو بعض اختصاصات وزارات “التربية ، الصحة ، الشؤون الاجتماعية والعمل ، التجارة الداخلية وحماية المستهلك ، الزراعة والاصلاح الزراعي ، النقل ، الثقافة” إلى مجالس المحافظات ومكاتبها التنفيذية.
اللامركزية طريقاً للتعافي و تحقيق السلام
من المعلوم أن نظام الإدارة المحلية وإدارة الشؤون في المحافظات والمناطق والنواحي من خلال المجالس البلدية والمحلية نظام متبع في “سوريا” منذ عام 1957. وتطور النظام وصولاً إلى القانون 107 لعام 2011 الذي أعطى دفعة نحو إمكانيات التشاركية والتنمية المحلية واللامركزية فيما لو طبق بالشكل المطلوب.
بناء على ما تقدم من عرض لمفاهيم اللامركزية ولبنيتها القانونية في “سوريا” يبقى السؤال عن واقع الإدارة المحلية واللامركزية في البلاد.
حيث تعاني الإدارة المحلية من مشاكل معقدة. ولم يلمس نجاحاً يذكر في الاستفادة من الإمكانات التي أتاحها القانون الجديد. كما أن الأزمة الاقتصادية الخانقة تلقي بظلالها على أداء الوحدات الإدارية لواجباتها الخدمية التقليدية.
ولكن في الوقت ذاته يبرز دور للإمكانات التي يوفرها المرسوم 107 وخاصة اللامركزية الإدارية كمدخل من مداخل حل الأزمة السورية. خاصة وقد جرى طرح هذه الإمكانيات على لسان المسؤولين السوريين على أنها تقابل مطالب المعارضة بالتشاركية في الحكم وإعطاء دور للمكونات المحلية في حكم نفسها من خلال اللامركزية. كما تسربت أنباء أن هذه الأفكار كانت موضع استحسان الكثير من المجموعات المنتمية إلى المعارضة خلال المفاوضات العديدة بين الطرفين التي جرت بوساطة خارجية.
وفي الختام يؤكد الدكتور “أحمد اسماعيل” في كتابه “قانون الإدارة المحلية” على أن اللامركزية الإدارية لا تهدد وحدة الدولة وذلك لأنها تنصرف إلى توزيع وممارسة الوظيفة الإدارية وحدها دون الوظائف التشريعية والقضائية. كما أن ممارسة الوظيفة الإدارية من قبل الوحدات المحلية ذات الشخصية الاعتبارية يخضع لرقابة السلطة المركزية.