العقوبات على سوريا.. تغيير بالمناخ الدولي وأولوية الحاجات الإنسانية
عن العقوبات التأثير واستراتيجية الحد منها بعيداً عن التسييس .. بلال سليطين
سناك سوري – بلال سليطين
يوجد مناخ دولي حالياً ملائم جداً للحديث عن الإجراءات القسرية أحادية الجانب المعروفة باسم العقوبات، وذلك بسبب أزمة كورونا وتداعياتها على مستوى العالم والتغيير الذي أحدثته في سياسات الدول الداخلية والخارجية وحرص هذه الدول على سلامتها التي لن تكون إلا باحتواء عالمي للفيروس.
قبل أيام دعا أمين عام الأمم المتحدة إلى تخفيف العقوبات الأوربية عن بعض الدول ومنها “سوريا” في ظل أزمة فيروس كورونا، وتفاعل معه مفوض “الاتحاد الأوروبي” للسياسة الخارجية “جوزيف بوريل” الذي قال إن العقوبات تساهم في تفاقم أخطار تفشي الوباء خاصة في البلدان التي تشهد صراعات مثل “سوريا” و “اليمن” و”ليبيا” وهو تصريح غير مسبوق بالمناسبة وصادر عن جهة تفرض عقوبات ويعد بمثابة وثيقة إدانة.
في الأثناء تنشط في الأمم المتحدة دول خاضعة لعقوبات مثل الصين وروسيا ومعهم سوريا من أجل رفع هذه العقوبات على اعتبار أنها تعرقل وصول المعدات الطبية اللازمة للدول المعاقبة من أجل مكافحة هذا الفيروس.
وسائل الإعلام الرسمية السورية رفعت من وتيرة الحديث عن ملف العقوبات خلال الأيام الماضية أيضاً، معتمدةً الأسلوب التقليدي في الحديث عنها “خطاب عاطفي” و”شعبوي” وبلغة عربية تستهدف المتلقي العربي الذي سمع الكثير خلال السنوات الماضية عن هذه العقوبات وهو ليس الجمهور الذي من شأنه التأثير فيها.
اقرأ أيضاً: رسالة سرية تكشف عن استثناء معمل فرنسي في مناطق سيطرة داعش من القصف
عموماً لا يمكن فصل هذه العقوبات عن الصراع السياسي والدول التي وضعتها كانت وماتزال أهدافها سياسية فعلى سبيل المثال لا الحصر وبعيداً عن الغاية لحديثنا عن العقوبات فإن الدول الغربية فرضت إجراءات أحادية الجانب على توريد الأسلحة إلى سوريا، ومن ثم خففت هذه القيود في أيار 2015 وسمح بتوريدها إلى كيانات المعارضة ومنعها عن الحكومة السورية، وكذلك فرضت قيوداً على توريد النفط من الحكومة السورية وعندما خرجت آبار النفط وأصبحت تحت سيطرة جماعات مسلحة متهمة بارتكاب جرائم حرب تم السماح في 22/4/2013 باستيراد النفط من هذه الجماعات.
بالعودة إلى عقلية السلطة في دمشق فهي تتعامل مع كل شيء أو لاشيء على مايبدو حالياً فهي تريد رفع كل العقوبات، وهذا تكتيك تقليدي جداً في التعامل مع أزمة العقوبات ويتجاهل ما أشرنا إليه أعلاه وهو الصراع السياسي القائم، خصوصاً أن سوريا بالأصل مفروض عليها عقوبات تراكمية منذ العام 1979 وقد استمرت وتطورت في عهد إدارة “ريغان” ومن بعده “بوش وكلينتون” وتصاعدت عام 2004…إلخ.
اقرأ أيضاً: تعثر اللجنة الدستورية أكبر من خلاف على أجندة اجتماع- بلال سليطين
إن آثار هذه العقوبات الحاسمة على سوريا تحتاج تغييراً في العقلية من أجل مساعدة الناس وتركيزاً حالياً للجهد على الجانب الإنساني خصوصاً المتعلق بالقطاع الصحي والقطاع المعيشي، فإذا كان لديك ولد بالمدرسة ضعيف في كل المواد ولديه مادة مرسبة سيتقدم لامتحانها غداً فإنك تركز على امتحان المادة المرسبة وتؤجل تلك التفاصيل حتى لا يخسر ابنك كل شيء وهكذا هو الواقع الآن في سوريا أمام امتحان كورونا والوضع المعيشي.
بلا أدنى شك فإن الفرصة سانحة اليوم لجهد في إطار تخفيف هذه العقوبات باتجاهات محددة وهذا يتطلب حملة غير تقليدية تخاطب المجتمع الدولي وبلغته وممكن الاستفادة فيها من دور دول مثل “سويسرا”، ولكي يحدث ذلك من الضروري جداً إتاحة إمكانية الوصول إلى المعلومات (التي لا تهدد الأمن الوطني) عن كيفية تأثير العقوبات على قطاع الصحة ومعيشة السوريين (أمثلة عن التأثير) وتقديم الدراسات العاجلة والأرقام والإحصائيات والمؤشرات حول الإجراءات التي تعيق..إلخ، والتعاون مع المجتمع المدني وبالمناسبة حتى المختلفون مع الحكومة السورية إلى أقصى الدرجات عندما يكون الحديث آثار العقوبات على صحة ومعيشة السوريين يؤيدون رفعها ومراجعتها ولنا في مؤتمر بروكسل 2018 ومناشدة المجتمع المدني من داخل سوريا وخارجها لوزراة خارجية الاتحاد الأوروبي والدول المانحة رفع العقوبات التي تؤثر على قطاعات الصحة والتعليم وسبل عيش السوريين.
اقرأ أيضاً: بروكسل: حملة مناصرة من أجل رفع العقوبات عن سوريا وعدم تسييس الملفات الإنسانية
إن الغاية الإنسانية من مطلب رفع العقوبات تجعل التركيز ضرورياً على تخفيفها عن القطاع المصرفي بشكل أساسي، فالعقوبات عليه جعلته غير قادر على تنفيذ عمليات الشراء بما في ذلك مثلاً شراء الأجهزة الطبية، طبعاً واضعي هذه العقوبات يقولون إن هدفها منع غسيل الأموال أو تمويل الحرب مثلاً بينما في الحقيقة لم تؤثر هذه العقوبات على هذين القطاعين فالحرب وصلت عامها التاسع ووثائق بنما وغيرها يؤكدون أن عمليات غسيل الأموال لا تتم بسوريا ولا يحتاج من يريد غسلها لبنوك سوريا، بينما يحتاج هذه البنوك مرضى الكورونا والسرطان وغيرهم ممن يدخلون مستشفيات ينقصها تجهيزات طبية أساسية.
كذلك إزالة القيود عن عمليات نقل البضائع إلى سوريا فالعقوبات الأميركية وتحذيرات وزارة الخزانة الأميركية للشركات الدولية جعلت توريد المستلزمات إلى سوريا عملية معقدة جداً وغالباً ماتكون شبه مستحيلة أو مكلفة تكاليف مضاعفة، وأيضاً من يقول أن هذا النوع من التشديد يمنع توريد الأسلحة أيضاً يُرد عليه أن طرق نقل السلاح إلى سوريا لم تتوقف نهائياً ولم تتأثر حتى بهذه العقوبات بدليل سنوات الحرب التسعة وفي ظل وجود روسيا وإيران وقدرتهما خصوصا الروس على نقل المعدات العسكرية أياً كانت، وإنما تأثرت معيشة السوريين ومستلزماتهم وبات وقوفهم على طوابير الأرز والسكر أكبر تهديد لانتشار فيروس كورونا.
اقرأ أيضاً: الغرب ينفذ سياسة الأرض المحروقة في سوريا.. العقوبات تزيد معاناة المدنيين
يشكك كثيرون في خارج سوريا بأن هذه العقوبات تؤثر على السوريين وخلفية تشكيكهم سياسية، فهؤلاء لا يعيشون في سوريا ولا يعجزون مثلاً عن حضور كورس تعليمي أكاديمي (أون لاين) حول آخر تطورات الأبحاث مثلاً حول فيروس كورونا لأن السيرفر السوري موضوع على العقوبات، ولا يعزلون عن العالم الخارجي ولا تصلهم التكنولوجيا الطبية الحديثة بسبب العقوبات، ولا يتم تقيد معرفتهم العلمية الطبية والأكاديمية كل ذلك بسبب العقوبات وآثارها…إلخ، هل جرب هؤلاء الذين يرفضون رفع العقوبات العيش من دون ماهو مذكور أعلاه مثلاً، من دون دواء للسرطان؟ أو من دون منفسة في مشفى ….إلخ.
إن المواطنين السوريين ليس موضوعهم اليوم رفع العقوبات عن أفراد وشخصيات، إنهم يريدون رفع العقوبات التي تؤثر عليهم يريدون أن يكونوا قادرين على النفاذ إلى العلم والمعرفة وأن تكون التجهيزات ومستلزمات المعيشة قادرة على النفاذ إلى بلادهم بسهولة، وإذا كان العالم لن يفعل ذلك فليرسل إلى السوريين بنفسه هذه المستلزمات كمنح، ويتولى هو نقلها وإيصالها إلى أراضي البلاد، دون أن ينسوا أن فيروس كورونا لا يعرف حدوداً وأنهم إذا كانوا غير مهمين برفع القيود التي تفرضها العقوبات على سوريا فإنه من شبه المستحيل فرض القيود على خروج الفيروس من سوريا اذا ما انتشر فيها لاقدر الله.
إن الحديث عن العقوبات ليس ترفاً ومن الضروري جداً فصله عن السياسة وعن الأهداف السياسية لأي جهة فأولوية السوريين ليس وفود بعثات دبلوماسية أوروبية أو أميركية ولا حتى عربية إلى سوريا أولوياتهم وفود الأدوية والتجهيزات الطبية والمستلزمات الغذائية وكل ما من شأنه مساعدتهم على الصمود والتماسك والبناء، وعلى الجميع إدراك ذلك وقد تكون لحظة كورونا هي أفضل لحظة لإعادة النظر بالإجراءات القسرية أحادية الجانب وقانون قيصر وحتى بطريقة التفكير والتعاطي مع الأمور من قبل دمشق ومن يحاصرون دمشق.
بقي الإشارة فقط إلى أن سوريا حالياً تمتلك فقط 1000 سرير للإصابات بكورونا ولديها قدرة على إجراء 300 تحليل فقط يوميا حسب بيانات رسمية لوزارة الصحة، وهذه الأرقام مقارنة عن مثيلاتها بعشرات الآلاف بغير دول كافية لكي تتكلم لوحدها وتشير إلى حاجة هذا القطاع لتخليصه من آثار العقوبات بل ودعمه.
اقرأ أيضاً: أبرز ماتضمنه قانون قيصر الذي شدد عقوبات أميركا على سوريا