الرئيسيةرأي وتحليل

الخوف من التغيير – ناجي سعيد

التغيير يبدأ من الإرادة الفردية.. وحتى إلغاء الشاي من الفطور يعتبر تغييراً!

الموقف الصريح من الهويّة الشعبيّة تجاه التغيير، يتّضح بقوّة من خلال المثل الشعبي الشائع: “اللي بغيّر عادته، بتقلّ سعادته”، وتؤكّد الثقافة الشعبية موقفها بقولها: “اللي بعيش بغير ملّته، بيموت بعلّته”.

سناك سوري-ناجي سعيد

وخوف الناس من التغيير نابع من إيمانهم براحتهم الآنيّة، في منطقة الراحة الموروثة من الأهل. فحياة الإنسان تبدأ علميًّا مع التغيير. ويطلق عليها “صرخة الحياة”، فحين يخرج الجنين من رحم أُمّه، يصرخ مُعلنًا للخارج بأنّه انتقل من وسط مائي آمن مُتوفّر فيه متطلّبات البقاء حيًّا، إلى معترك الحياة حيث يسعى ويجاهد ليصل إلى العيش الكريم.

وفي مجال العلم فالطبيعة الأساسيّة للّاعنف، تفرضها المواد الخام، فحين تدخّل عقل الإنسان “الخيّر” اللاعنفي -وليس الإنسان الشرّير- أسّس في علم الكيمياء والفيزياء مسار طبيعي يعود بالنفع على حياة الإنسان. وهذا المسار هو التغيير المنشود الذي لا أعلم لماذا يخشونه الناس.

التغيير العلمي المفيد، يمنع الإنسان وضع البنزين عل نار مشتعلة، أو يتخزّين مواد كيميائيّة في مستودعات غير مؤهّلة، قد تتعرّض للإنفجار لو مرّت أمامها شعلة تائهة. فالخوف من التغيير ليس طبيعة بشريّة. والمشكلة في الموقف من التغيير تبدأ في زرع فكرة “الخوف” بداخل الإنسان، فيصبح شرّيرًا، ليلجأ إلى طرق عنيفة مدمّرة له وللمجتمع.

التغيير كمفهوم اجتماعي، له تفسير مُحدّد، وهو انتقال الإنسان فردًا كان أم جماعة، من حالة إلى حالة أخرى، ومن المُفترض أن يكون تغييرًا نحو الأفضل. فقد حدث بعد ضغط ناجم عن سوء حال الناس من وضعيّة طلبًا للتقدّم عوضًا عن المكوث في منطقة الأمان. وما يُعيب التغيير الشعبي المُفاجئ، كالذي يحدث بعد الثورات، عدّة خصائص اختصرها العالم ابن خلدون بحالة الفوضى بعد النظام.

فالتغيير المنشود بعد الثورات، هو تغيير كلّي، لذا فمن المفترض أن يكون مُخطّطًا له مُسبقًا، ليراعي: التطوّر، ليضمن المنحى الإيجابي، والاستمراريّة، ليواكب السياق الدائم للتغيير. والشموليّة، فالثورة التغييريّة، لا تحصر هدفها في تغيير شخص (رئيس جمهوريّة/ حكومة..)، لا بل التغيير يشمل مكوّنات النظام المترابطة المكمّلة لبعضها البعض.

اقرأ أيضاً: السعادة – ناجي سعيد

وما يعتبر الأقرب للناس شعبيًّا، هو خاصّية “الحتمية”، التي تدفع الناس بعاطفتهم للثورة والتغيير دون تفكير وتخطيط. المفهوم السائد والمسيطر على فكرة التغيير، هو “صراع الأجيال”. وأساس الفكرة هي العاطفة عمل القلب والعقلانيّة عمل العقل.

فالقلب هو مرساة المنطقة الأمنة comfort zone. وقد انقسم الناس إلى أكثر من فئة استنادًا إلى فهم مختلف لتفسير القرآن، فمن المعروف بأنّ القرآن يراعي كلّ زمن، ومن لا يقتنع بالتغيير، قبع في تفسير واحد يُعيد السياق إلى زمان ومكان نزول القرآن، وهذا السياق هو كفيل بأنّ التغيير هدفه صالح الإنسان.

القرآن يراعي كلّ زمن، ومن لا يقتنع بالتغيير، قبع في تفسير واحد يُعيد السياق إلى زمان ومكان نزول القرآن، وهذا السياق هو كفيل بأنّ التغيير هدفه صالح الإنسان

فالتغيير بمعزل عن التبعيّة للموضة السائدة، أو الفرادة والتميّز، هو عنوان للتجدّد، وهذا التجدّد هو ما يميّز الجيل الصاعد. ليشكّل التغيير حجر أساس في عمليّة التربية الذاتيّة. يخشون الأحجار الصغيرة التي تقع في مستنقعات التربية الراكدة، فالأهل ليحافظوا على الموروثات، يسعون لقمع هذه الأحجار الصغيرة، لا بل إخفائها لتلميع صورتهم امام المجتمع.

ومن أهم الكتب التي تحكي عن ضرورة التغيير، كتاب “كيفما فكّرت فكّر بالعكس” للكاتب البريطاني بول آردن. فبعد قراءتي لهذا الكتاب، عمدت لأنّ أكسر عاداتي اليوميّة، فتعمّدت أن أتناول فطوري الصباحي بدون شرب الشاي، فقد اعتدت ذلك منذ طفولتي. ليس كلامًا فارغًا هذا. فلا أعتقد ان أحدًا يستسيغ المكوث في منطقة الأمان، بإمكانه تغيير عادات تربّى عليها.

فحين تجرؤ على تغيير نمط ملابسك، فبإمكانك  التغيير والتطوّر في حياتك. فكّر بالتغيير منذ وقوفك صباحًا أمام المرآة وأنت حائر في اختيار ملابسك. فجرأة التغيير تبدأ من الإرادة الفرديّة. التغيير الفردي مفتاح لمسار التغيير الجماعي.

الثورة المرتبطة بالفرد قد تزول عند رحيل الفرد، التغيير الحقيقي اللاعنفي هو تغيير أفكار ومفاهيم، لا يطال أشخاصًا، فالإستمراريّة لا يكتمل معناها إلاّ بالتغيير، فعدم التغيير والركود، يُقال له شعبيًّا: “راوح مكانك”.

اقرأ أيضاً: الخوف خارج الذات – ناجي سعيد 

زر الذهاب إلى الأعلى