الرئيسيةفن

هند هارون الشاعرة التي رفضت استقبال الجنرال ديغول

هند هارون.. خنساء سوريا وجرح الموت

سناك سوري – عمرو مجدح

وقعت الشاعرة “هند هارون” قصائدها الوطنية الأولى باسم “بنت الساحل” فمنذ نعومة أظافرها فتحت عيناها على شاطئ مدينة “اللاذقية”، عرفت الشعر والأدب وعندما سُئلت كيف بدأت الشعر؟ كان جوابها :«أظنني قلته مع تعلم الحرف.. إلى أن كتبني الشعر حروفاً مضيئة».

تحكي “هارون” أو “أم عمار” الأستاذة ومديرة المدرسة كما تعرفها طالباتها اللواتي مازلن إلى اليوم يذكرن محاسنها ويتحدثن عن طيبتها وحبها وعطفها عليهن وكأنها أم حقيقية لكل واحدة منهن، قصة نشأتها إبان الاستعمار الفرنسي في حوار مع مجلة “الثقافة” 1978، فتقول:«نشأت بين أفراد أسرة تقارع الاستعمار الفرنسي ناضلوا في الثورات كثورة الشيخ صالح العلي وغيرها، وانتقم الفرنسيون من أفرادها فحكم على الأديب “منح هارون” عمي بالاعدام وصادرو أملاك والدي “نديم هارون” وغير ذلك من ألوان الاضطهاد».

وتضيف:«كنت أسمع النقاش حول هذه المواضيع دون أن أعي أبعادها، ولكنني تشربت فكرة الكفاح وأذكر أنني أقسمت أن أحيي علم بلادي مرفوعاً وحدث فعلاً ذلك حيث رددت أمام السراي نشيد حفظناه في المدرسة، كنت تلميذة ثائرة، رفضت مرة الإشتراك في استقبال الجنرال “ديغول” ففصلت مؤقتاً من المدرسة (مديرتها فرنسية) لتحريض الطالبات على التمرد».

اقرأ ايضاً:البومة المتمردة .. “غادة السمان” كاتبة الاعتراف والتعرية

الجائزة الأولى

“وصية أم” هي أولى القصائد التي أثارت اهتمام الرأي العام ولفتت الأنظار نحوها، وهنا تقول:« ألقيتها في مسابقة شعرية اشتركت فيها في “لبنان” حيث تقدم كل مدرسة نصاً لتحظى بالجائزة لأفضل نص وأحسن إلقاء، وكانت المسابقة تحت إشراف الدكتور “أسعد علي” في “بيروت” وكان رئيس لجنة التحكيم الشاعر الكبير “عمر ابو ريشة” ففازت القصيدة بالجائزة الأولى مما لفت النظر إلى القصيدة وصاحبتها».

تحرر المرأة

لدى “هارون” رأي خاص عن حقيقة تحرر المرأة وماشهدته من انفتاح واندماج في الحياة العلمية والعملية في فترة الستينات والسبعينات فهي فرحت لتحرير المرأة، لتعليمها، لاقتحامها الجامعة ولكنها حزنت لأنها لم تتحرر بقيت عبدة للمظاهر، ظهرت غانية أحياناً ، كما أرادها الرجل منذ أيام هارون الرشيد، لم تتحرر ذاتها من العبودية، وتؤكد أنا لست ضد أنوثتها وهذا أمر طبيعي ولكنني أشفق من التحلل وأريد لها الحرية الخالقة مهما كان عملها وعلمها.

“عمار” وجرح الموت ( الخنساء )

كان لابنها الوحيد عمار الأثر الأكبر في حياتها وعلى نتاجها الأدبي فشكل مرضه ورحيله قبل أن يكمل عامه الثامن عشر جرحاً في قلبها لم تمحه الأيام والسنوات وضلت ترثيه بقصيدة تلو الآخرى وديوان يخلف الآخر حتى أسماها الأدباء “خنساء سوريا”، في ذات الحوار تحكي عن ابنها عمار :«ولادة عمار 1960 في العشرين من شباط كان الأمومة العجيبة المتفجرة في كياني ينفتح صحة وحياة نضارة وحيوية مدهشة وذكاء متقداً أحسست أنني أم أمتلك العالم».

أخذت ابنها ذو الأعوام الأربعة إلى بيروت واكتشفت أنه مصاب بفقر دم وراثي رغم بعد الصلة بينها وبين زوجها المهندس “أحمد قريعة” لكنها مشيئة القدر، على حد تعبيرها ، وتضيف :«هنا بدأت رحلة العذاب الطويل، تقارير الجامعة الأمريكية أرسلتها إلى كل السفارات وكانت الإجابة واحدة لا علاج للمرض الوراثي إلا نقل الدم، كان الأطباء في “بيروت” و”دمشق” يزرعون الأمل في صدري وأنا أصدق وأرجو الله وأتوسل، كان “عمار” يصارع الأقدار و يقول لي أحيانا :« أمي لن أعيش طويلاً دعيني أنعم بالحياة. وكنت أحس حينها أني طفلته اليتيمة كان يعلم أن مرضه وراثي».

اقرأ أيضاً:“صبرية” التي امتلكت شجاعة وجبن “الانتحار”.. “دمشق يا بسمة الحزن”

أربعة عشر عاماً عمر الصراع الذي عاشته “هارون” مع المرض إلى أن حدث القدر المحتوم ومات ابنها فجأة فتركها خلال ثلاثة أيام إثر نوبة حادة  غريبة شلت الأطباء. وهنا تقول:«رحلت الزهرة الربيعية وأقيمت في “اللاذقية” آلاف المآتم في كل بيت، عشت شهيدة أربع عشرة سنة أصارع الموت إلى أن صرعني بسهم يقتلني مع كل نسمة أتنفسها وأصبت بالشلل الفكري التام لمدة شهر ونصف ثم انفجرت الكلمات، لجأت إلى معبدي إلى غرفة “عمار” المزدانة بصور المراهقة برسومه الخاصة بالأسطر والكلمات المتناثرة على الزجاج على خشب السرير إلى أشرطته الموسيقية إلى سريره أتدثر بغطائه أشم ريحه وبدأت أكتب».

في العام 1978 كتبت هند هارون قصيدة بعنوان “جرح الموت” وأهدتها إلى روح ابنها في عيده الثامن عشر :
يا وحيدي.. كنت في صدري وعيني الشعاع
وأنا أحياك.. يا عمار.. في دنيا الصراع
لم يلح لي بعد أن جزت الدنا.. إلا الضياع
وغبار الأرض.. شد الناس.. أغرى المتاع
غير اني عندما ادعوك.. ينزاح القناع
وأرى طيفاً حبيباً.. جاء مفتوح الذراع
وأحس القبلة الحرى.. وكم أخشى الوداع
ثم تمضي.. في سفين الله ..مرفوع الشراع
كلما.. لملمت..جراح الموت.. في نفسي الأبية
كلما هدهدت آلامي.. بألحان خفية

“هند هارون” ولدت في مدينة اللاذقية 1927 وتوفيت 1995 هي شاعرة وتربوية سورية من مؤلفاتها «ديوان “عمّار”» عام 1979 ، ديوان “شمس الحب” عام 1981.ديوان “بين المرسى والشراع” عام 1984.ديوان “عمار في ضمير الأمومة” عام 1988.

اقرأ أيضاً:من هي الكاتبة السورية التي تزوجت محمود درويش وباتريك سيل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى