في علاقة الأسرة بالمدرسة: الطلاب غير راضون والمعلمون يعانون
طلاب “سوريا” خلال الحرب وبعدها ليسوا كما قبلها… والحاجة ماسة لعلاقة جديدة معهم ومع أسرهم
سناك سوري – لينا ديوب
يرى الطالب “إياد حاتم” من الصف الأول الثانوي، أن العلاقة بين المدرسة والأسرة بشكلها الحالي ليست صحيحة حتى لو اتصلت المدرسة بالأهل، فالإدارة إن أرادت أن تحل مشكلة عليها أن تتحاور مع الطالب.
كلام “حاتم” يأتي احتجاجاً على إقصاءه من اللقاء الذي يجمع الأهالي مع المدرسة، وإصرار المدرسة على عدم الحوار معه حتى ولو اعترف بخطأه والاتصال بالأهل فقط.
بدورها تتساءل “زينة يوسف” وهي طالبة بكالوريا علمي، لم لا تتصل المدرسة بالأهل إلا في حال وقوع مشكلة، يجب أن تستقبل المدرسة أهالينا نحن الطلاب، ليتعاونوا مع بعض لمساعدتنا وليس لعقابنا فقط، في حين تؤكد الأم “هناء حماد” ضرورة وضع جدول لاجتماع الأولياء قبل تحديد موعده .
تستذكر “حماد” خلال حديثها مع سناك سوري تجربتها في اجتماع أولياء الأمور الذي عقد في مدرسة “الأهلية في “عربين” بوقت سابق حيث تقول:«كان على مستوى مفيد من النقاش والحوار وإبداء الرأي بجرأة ودون خجل من أي موضوع، كان يحق لنا كآباء انتقاد أي معلمة انتقاداً سلوكياً و تعليمياً وتسجل كل الملاحظات، في دفتر خاص بالإدارة ويتم التجاوب بسرعة، وكان المهم هو أداء المدرسة بجميع كوادرها والنتيجة الايجابية وانعكاسها على الطلاب».
اقرأ أيضاً: “دروس المتابعة” تقضي على عملية التعلم… حشو صباحي ومسائي وتلقين ببغائي
يجب التمييز في عملية التواصل بين شخصنة الأمور بين الأهل والمعلمة وبين توضيح الأمور لكي تتم معالجتها، حيث أنه من المهم جداً بحسب “حماد” أن يكون لقاء مكاشفة وصراحة يشرح الأهالي للإدارة والطاقم التدريسي عن مشكلات أولادهم وتشرح إدارة المدرسة عن مشكلات الطلبة.
أخطاء كثيرة شابت اجتماعات أولياء الأمور التي كانت تعقد سابقاً وتراجع الاهتمام بها مؤخراً، ومن أبرز الأخطاء بحسب “حماد” عدم وجود جدول أعمال واضح وعدم تخصيص الاجتماعات بمواضيع محددة فليس من المنطقي أن نناقش كل الأمور في اجتماع واحد، بحيث يكون هناك اجتماع حول مشكلات الطلبة مثلاً، وآخر حول دور الأهل الممكن لعبه مع أبنائهم لدعم عملية التعلم وآخر حول أسلوب المدرسة التعليمي (مثلاً) منتقدة في الوقت نفسه إصرار بعض الأهالي لتحويل هذا الاجتماع للنقاش حول علامة أولادهم فقط.
العلاقة الكيدية
لا تلتزم جميع الإدارت باجتماع أولياء الأمور، وفي اللقاءات الفردية تتعقد المشكلات، تقول “رويدة” وهي أم لأربعة طلاب في المدارس الحكومية لـ سناك سوري:« العلاقة في يعض الأحيان تأخذ منحى كيدي، وليس إصلاحي تربوي، عندما نشير نحن الأهل إلى خطأ تربوي، لا تتقبل مديرة المدرسة ولا تتجاوب معنا، بل على العكس، تنكر أي ملاحظة كتركيز جهد المعلمة بالصف لطلاب دون زملائهم، أو اعتماد أسلوب عدم التشجيع، كأن تقول الموجهة للطلاب والطالبات”لن تدرسوا أكثر من معهد تركيب صوبيات”، وفي نفس الوقت يرتكب الأهل الخطأ عندما يكسرون هيبة معلمهم أمامهم».
آثار الحرب و التفكك الأسري وقلة حيلة المدرسة
تقول “فريال اسمندر” مديرة إعدادية “ضاحية الأسد” المختلطة: «أرخت الحرب بظلالها على علاقة المدرسة بالأهل، فاجتماع أولياء الأمور لمرة واحدة في العام لن يغطي أوجاع العام كله، ولن يحل كل المشاكل، هذا في حال استجاب جميع الأهل، إن نسبة الاستجابة ضعيفة، لأسباب كثيرة، قد يكون أهمها تأمين لقمة العيش، عندنا أمهات أرامل، وآباء مطلقين، وطلاب يعيشون مع جديهم، أو مع بيت خالهم، أي أن نسبة كبيرة من طلابنا فاقدين أشياء كثيرة، في مقدمتها الترابط الأسري، ونسبتهم 40بالمئة تقريباً، إنهم نفسياً غير متوازنين، يحتاجون لاهتمام خاص لا تستطيع المدرسة تقديمه كله، بسبب ضعف الإمكانيات.
المرشدة الاجتماعية والموجهات يقدمون ما بوسعهم، وحسب الوقت المتاح، هناك الحصص الدرسية، والفرصة مدتها عشر دقائق غير كافية ، والأهل دورهم ضعيف في أبسط المخالفات كحمل الموبايل إلى المدرسة والتدخين في الحمامات حسب “فريال” مؤكدة أنهم يصادرون الموبايل حتى آخر الدوام، لكنهم يحتاجون لمساعدة الأهل، حتى بالقضية الأهم وهي الاهتمام بالتعليم هناك تراجع، يأتي الطالب ليعتمد على أساليب أخرى غير الدراسة.
اقرأ أيضاً: سوريا: مدّرسة تقدم درس الموسيقا بطريقة تفاعلية وتنمي مواهب الطلبة
اللقاء الفردي
يُجمع مُعظم من التقاهم سناك سوري من معلمات وموجهات ومديرات مدارس، وكذلك المرشدات النفسيات، بأن اللقاء الفردي بالأهل هو الطريقة الأكثر فائدة، تقول الموجهة السابقة “اكتمال حجل” من إعدادية “ابن الأثير” في شارع “بغداد”:« من تجربتي كمديرة وموجهة، اللقاء المباشر مع الأهل بعيداً عن الاجتماع هو الأجدى، حرصاً على مشاعر الطالب والطالبة خاصة في المرحلة الإعدادية، شخصياً كنت قاسية وألجأ إلى التعنيف، لكن هذا الجيل يحتاج لمزيد من التفهم والحب، لمعالجة مشكلاته، غيرت أسلوبي، فربحت ثقة الطلاب، وأصبحوا يلجأون لي».
وتضيف:«قبل الحرب كنا نقابل أهلاً لا يعرفون شيئا عن أبنائهم، الأب في عمله والأم مشغولة، اليوم المشكلة تضاعفت، مع فقدان الطلاب لأحد أبويهم بظروف صعبة، وخاصة الطلاق، ومعاناة الطلاب تحتاج لسماعها في غرفة خاصة وليس أمام الجميع، وهناك مشاكل تعليمية لا نملك حلها، نستبدلها بالرعاية مثلاً، قبل سنتين لم يكن أحد طلابنا يلتزم بحفظ الدروس وكتابة الوظائف، وعندما حاولنا فهم السبب، قال لي أنا أعيش مع ابن عمي وغير سعيد معه، لأن والداي عندما عادا للقرية للاطمئنان على البيت، احتل المسلحون القرية وبقيا فيها وأنا بقيت مع ابن عمي.
بذل المدير والمرشد النفسي الكثير من الحوار والحب مع هذا الطالب للتعويض عن ما يعانيه، لكن لو لم يتم الحوار معه لما كان هناك فرصة لمعرفة واقعه والتعامل معه ولكان تعرض لظلم وساءت حالته.
تؤكد “حجل” أنه يمكن للمدرسة من الناحية التعليمية أن تفسح المجال للأهل للقاء المعلمين ليشرحوا للأهل، مواضع التقصير الدراسي لأبنائهم.
اقرأ أيضاً: المشاريع الطلابية بين توفر البيئة المناسبة والإمكانيات
الدراية بالقوانين المدرسية
تشددُ الدكتورة “أمل سلمان” من كلية التربية بجامعة “دمشق”، على أهمية العلاقة بين المدرسة والأهل وتقول لـ سناك سوري: «لأن البيت والمدرسة هما أهم مؤسستين بالنسبة للمتعلم، فإنه لابد من أن يكون هناك تكامل بينهما، فإذا تحقق هذا التكامل ستكون هناك نتائج ومزايا إيجابية تفضي إلى مواكبة التطور والتغير في المجتمع، ومنها أنّ الأسرة تصبح على دراية بالقوانين المدرسية وهذا يجعلها واثقة من قدرتها على المساهمة الفعالة في العملية التعليمية من خلال بعض الآراء المقترحة حول كيفية التعامل مع الأبناء والطرق التربوية، وليكن هدف هاتين المؤسستين تربية الأبناء قبل تعليمهم، حيث يتم تبادل الآراء والأفكار من خلال مجالس المهتمين من الطرفين الذين نسعى لكي يكونا طرفاً واحداً في العملية التربوية التعليمية».
وتضيف: «ليس من الضروري أن يجتمع جميع أولياء الأمور في يوم واحد، بل يكون في الشهر الواحد عشر اجتماعات لهم حسب أوقاتهم. يدخل ضمن هذه الاجتماعات الموجهون النفسيون والمرشدون الاجتماعيون والمعلمون والأهل حسب قدومهم إلى المدرسة، ولابد أن تكون العلاقة ودية بين جميع المعنيين في هذه الاجتماعات وألا تكون اتهامات وفي أكثر الأحيان يكون المعلم هو المظلوم وأكثر الأهل لا يقدرون العمل القاسي للمعلمين».
تحدي الأسرة
إن التواصل بين الأسرة والمدرسة مطلب ضروري نحن في أمس الحاجة إليه، فالتحدي الحقيقي الذي تواجهه الأسرة اليوم يتجلى في دورها الرئيسي في أن تظل قريبة من الأبناء تعتمد الحزم بمودة، لتبقى بمثابة المكان الآمن الذي يحتمي به التلميذ ضمانا لتوفير الدعم العاطفي اللازم لنموه السوي في عصر مادي متغير، والأسرة مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة الاعتبار لدورها في التربية وتحصين الأبناء من تدخلات الإعلام والانترنت، لتبقى قادرة على التعاون مع المدرسة.
وعلاقة المدرسة مع الطلاب وذويهم يحددها نظام التعليم في “سوريا” من خلال طريقتين للتواصل بين الأهل والمدرسة، وهما إما اجتماع دوري لأولياء الأمور مرة كل فصل دراسي، أو اتصال مباشر من الأهل إلى المدرسة، أو بالعكس من إدارة المدرسة إلى الأهل، يدعمهما سجل يومي لتصرفات الطالب التعليمية والسلوكية، للعودة إليه حين زيارة الأهل، لكن هناك الكثير من القضايا التي فرضتها ظروف الحرب تغيرت فيها قواعد العلاقة ودفعت للبحث عن وسائل اتصال جديدة.
اقتراحات:
تقترح الاختصاصية التربوية “إباء ياسين” أن يتم تفعيل سجل الطالب بحيث تدون فيه كافة المعلومات عنه من قبل الأسرة والمدرسة، ويمكن الرجوع إليه بشكل دوري لمعرفة واقعه والتعامل معه على أن يتم الحفاظ على سريته، أي أن يكون أشبه ببنك معلومات الطالب ومن المفيد أن يتنقل هذا السجل مع الطالب في كل مراحل تعليمه من الإبتدائية وانتهاءاً بالجامعة.
كما ترى أنه من المفيد أن يكون هناك اجتماع شهري بين المدرسة وأسر الطلبة، وأن يكون هناك أنشطة مدرسية تشارك فيها أسر الطلبة.
استخدام التكنولوجيا أيضاً من شأنه أن يحسن عملية التواصل فمن الممكن أن يكون هناك منبر لكل مدرسة يجمع كل ذوي الطلبة تقدم من خلاله معلومات لهم، مثلاً أن تشرح لهم من خلاله عن المشاريع الطلابية وأهميتها وأفضل طرق إنجازها وكيف يمكن أن يستفيد الطالب منها، أو أن تقول لهم إن الطلبة ينصرفون اليوم في الساعة كذا، وتقدم لهم من خلال هذا المنبر آخر التطورات والمعلومات المدرسية … إلخ.
اقرأ أيضاً: أنا ابن الآنسة… الجملة التي أساءت لمدارسنا وخلفت أثراً عميقاً في نفوس بعض الطلبة