سليمان العيسى.. شاعر الطفولة الذي كتب أولى صفحات البعث بيده
قصة حياة “سليمان العيسى”.. بقلم زوجته الكاتبة “ملكة الأبيض”
سناك سوري – عمرو مجدح
أمضت الكاتبة والدكتورة “ملكة الأبيض” سنوات من عمرها في نشر العديد من الدراسات حول كتابات زوجها الشاعر “سليمان العيسى” كما نشرت عدة مقالات أبرزها في مجلة “المعرفة” وحملت عناوين مثل “سليمان العيسى وأدب الأطفل”،” دمشق في حياة سليمان العيسى وفي شعره”، “لواء الإسكندرون في أعمال الشاعر سليمان العيسى”، “سليمان العيسى في نبرته الهادئة”.
تحكي “الأبيض” ابنة مدينة “حلب” والحاصلة على الدكتوراه من جامعة “ليون” الثانية في “فرنسا” عبر برنامج “إبداع” الذي أذيع على الفضائية السورية في واحدة من آخر إطلالاتها قبل رحيلها 2019 لتلحق بزوجها الذي توفي عام 2013، وتروي حكاية الهجرة والعودة قائلة :« انتقل زوجي إلى “دمشق” موجهاً أول للغة العربية وانتقلت معه وهكذا دخلت للتدريس في جامعة “دمشق” وبقيت هناك حتى 1990 كنا قد حصلنا على التقاعد وذهبنا إلى جامعة “صنعاء” للتدريس فيها مدة 15 عاما انتهت عام 2005 بسبب مرض زوجي وفضلنا العودة للبلد والاستقرار».
دمشق وبداية تأسيس جريدة البعث
تقول “الأبيض” في إحدى مقالاتها عن بدايات “العيسى” :« الصلة الوثقى بين “سليمان العيسى” و”دمشق” لا يمكن أن تسجل لها بداية. ذلك أن “دمشق”، الحاضر والتاريخ، جزء من كيان كل عربي، فكيف الحال بالشاعر الذي تغذى أدباً، وثقافة، وتاريخ، على يد والده الشيخ “أحمد العيسى”، في البيت – والكتاب، وفي بساتين “العاصي”، والمدرسة والشارع ونادي العروبة في “أنطاكية”».
اقرأ أيضاً:أكبر شاعر في هذا العصر أودى به شعره إلى السجون!
“دمشق” عام 1939..
سكن العيسى مع “زكي الأرسوزي” وقبضة من الرفاق الذين هاجروا معه، في منزل متواضع بحي “السبكي”، بيت صغير، يحتل الزاوية التي تلامس الأرض من سلسلة بيوت في الحي ميّز بابه القديم حجرة واحدة ترتفع قليلاً عن الأرض، في هذا المنزل المتواضع تلقى تكوينه، وتنقل “الأبيض” عن العيسى قوله :« كنا ذات مساء منكبين على دروسنا في بيتنا الصغير ستة أو سبعة من الطلاب ندرس معاً ريح الشقاء تصفر من حولنا والبرد يتسلل إلينا من النوافذ حين دخل علينا أستاذنا “الأرسوزي” -رحمه الله- تسبقه ابتسامته المشرقة، ومعه أكبر رفاقنا آنذاك”وهيب الغانم” ، كان يوماً من شتاء 1940 ورفعنا رؤوسنا، وتوقف الدرس وبادرنا الأستاذ “الأرسوزي” بقوله: «لقد أنشأنا اليوم حزباً عربياً جديداً لقد أسسنا حزب البعث العربي رفاقكم في الجامعة سيتصلون بكم ويوزعون عليكم المهمات كل منکم بالطبع عضو في هذا الحزب، يعود “الأرسوزي” ليقول في ثقة البحر وهدوء التاريخ: «ولقد قررنا أن تنشئ جريدة تنطق باسم الحزب، ولتكن أسبوعية مؤقتة كي لا تأخذ من دراستكم أكثر مما ينبغي، وسمينا الجريدة باسم الحزب الجديد “البعث” ويواصل رسم الخطة وتوزيع المهمات: «ستصدر جريدة البعث بعد أسبوع».
صدر العدد الأول من البعث بعد أسبوع ست عشرة صفحة من القطع الكبير، مكتوبة كلها بخط يد “سليمان العيسى” الطالب في “التجهيزه ” ثانوية “جودت الهاشمي” الآن، وتوالت بعد ذلك أعداد البعث لكن عندما وصلت أنباء الحزب الجديد إلى سلطات الانتداب الفرنسي، داهم رجال الأمن البيت الصغير، وفتشوه ثم اعتقلوا “الأرسوزي” وأمروا بنفيه إلى محافظة “اللاذقية” وعلى إثر ذلك، أصدر حزب البعث أول منشور ثوري له بعنوان:« اخرجوا من بلادنا أيها الفرنسيون»، ووزعه في شوارع “دمشق” وحاراتها، وفي كل زاوية استطاع الحواريون الصغار الوصول إليها، وفي اليوم التالي اعتقل أربعة من سكان بيت” السبكي” -بينهم سليمان- وهرب الباقون، واستمر النشاط على هذا النحو طول فترة إقامته في “دمشق”.
اقرأ أيضاً:“عبد المطلب الأمين” ساهم في استقلال “سوريا” عبر “نكتة”!
حين أنهى “العيسى” دراسته الثانوية عمل معلماً في قرية “الضمير”، ثم انضم إلى البعثات العربية في “بغداد” حيث أتم دراسته الجامعية، وحين عاد جرى تعيينه مدرساً للغة العربية في ثانويات “حلب” عام 1947، واستمرت الفترة الحلبية حتى عام 1967 حين أسند إليه عمل الموجه الأول للغة العربية في وزارة التربية، على أن الانقطاع لم يكن كاملاً، فـ”دمشق” كانت كعهدها الملتقى الأول للأنشطة الثقافية، وكان هو نفسه جزء من هذه الأنشطة.
شاعر الطفولة
تقول “الأبيض”:« لقد انتقل “العيسى” الشاعر، لكتابة الشعر للأطفال والناشئة ضمن أهداف محددة مثل/ تفتيح إمكاناتهم، وإكسابهم القيم الضرورية لذلك بادر “العيسى”، الموجه الأول للغة العربية، إلى تغيير جذري في المناهج والكتب بمساعدة لجنة من المديرين والموجهين الاختصاصيين، عمل معها على وضع مناهج وكتب جديدة في جميع مواد اللغة العربية لصفوف المرحلة الابتدائية، بدءاً من الصف الأول وانتقالاً إلى الصف التالي بصورة تدريجية، وقد عممت هذه المناهج في “سوريا” أولاً ثم امتدت إلى “الأردن”، بأمل توحيد المناهج في الوطن العربي كله.
لقد مثلت الأناشيد بشير عودة “العيسى” إلى الكتابة بعد الصمت الطويل الذي أعقب نكسة الخامس من حزيران 1967، وبدأ آنئذ يفكر في الموضوعات التي يجب أن يتناولها في هذا المجال، وهكذا تكونت لديه مجموعة نشرها في اتحاد الكتاب بعنوان”ديوان الأطفال”، ثم مجموعة أخرى بعنوان “مازالوا الواحة”، نشرها في اتحاد الكتاب أيضاً، ثم كتب عدداً من الأناشيد نشرها في مجلة المعلم العربي، وبعد ذلك جمع هذه الأناشيد في كتاب من عشرة أجزاء نشره في دار الآداب بـ”بيروت عام 1978 بعنوان “غنوا يا أطفال”.
اقرأ أيضاً:بدوي الجبل.. الشاعر الذي أغضب أم كلثوم