جان ماري مولر.. فيلسوف هذا العصر – ناجي سعيد
مولر فيلسوف اللاعنف المعاصر الذي رحل عن عالمنا مؤخراً
احترام الوقت من أهم القيم، لا بل الأولى بنظري، من بعد تجربتي في العمل الاجتماعي، والعناء من تأخير الناس على مختلف مشاربهم.
سناك سوري-ناجي سعيد
ولم أتفاجأ قطّ من الفيلسوف الفرنسي “جان ماري مولر” والذي غادر عالمنا منذ بضعة أيام عن عمرٍ يناهز 82 عامًا (1939-2021)، فقد أتى مذعورًا جدًّا، حين تأخّر لدقائق معدودة، يومًا عن وقت المحاضرة التي كانت ضمن دورة تثقيفيّة عن اللاعنف، كانت الدكتورة أوغاريت يونان قد كلّفتني بتنسيقها حيث كنت أعمل كمنسّق مشاريع في جمعية “الهيئة اللبنانيّة للحقوق المدنيّة” والتي أسستها مع الدكتور وليد صليبي خلال رحلتهم في النضال اللاعنفي.
جان ماري مولر، وهو المحاضر، وعضو المجلس العالمي في AUNOHR، فيلسوف اللاعنف المعاصر، وقد رحل بعد صراع مرير مع المرض. بحزنٍ شديد نُقل الخبر المؤسف إلى أهل الجامعة وإلى أحبّائه وعارفيه في لبنان والمنطقة العربيّة، بالأخصّ إلى الطالبات والطلاب الذين تتلمذوا معه على فلسفة اللاعنف.
يخسر العالم بوفاته شخصيّة فكريّة وإنسانيّة ومرجعًا فريدًا في عالم اللاعنف، وتودّع فرنسا وأوروبا أحد مناضليها اللاعنفيّين الروّاد. وقد كان محاضرًا في AUNOHR منذ سنة 2009 بداية التجربة، وعضو مؤسِّس في المجلس العالمي الاستشاري فيها. كتب في كلمته الأولى لمؤسّسَي الجامعة الدكتور وليد صليبي والدكتورة أوغاريت يونان: «حين زفّ إليّ صديقاي، أوغاريت ووليد، خلال لقائنا في تموز 2008 في بيروت، خبر تأسيسهما جامعة اللاعنف للمنطقة العربيّة، تلقّيت الخبر بدهشة وفرح. أرى من دون شكّ فجرًا جديدًا يطلّ على العالم العربي، ويغمرني فرحٌ عظيم أنّي في قلب هذه المُغامرة المثيرة».
اقرأ أيضا: حق المسؤول بالاستقالة – ناجي سعيد
لم يترك كلمة “لاعنف”، بعد غاندي، إلاَ مصمِّمًا أن يتوّجها فلسفة! هكذا صار، على مدى 44 عنوانًا لكتب مرجعيّة وكتيّبات أصدرها خلال 50 سنة متواصلة. صديق مؤسِّسي الجامعة، وليد صلَيبي وأوغاريت يونان، منذ سنة 1989، جمعتهما المحبّة ولقاءات الفرح وتبادل المعرفة والنقاشات وتدريب الشباب والناشطين… ويعود لهما الفضل في إدخال مولر إلى العالم العربي، من لبنان بالطبع منذ العام 1990، لبنان بلده الثاني كما يقول، ومن ثمّ إلى سوريا والأردن وفلسطين والعراق، وذلك على مدى 25 سنة، محاضِرًا ومدرّبًا ومحاورًا حول قضايا المنطقة، مع ترجمة أبرز كتبه ونصوصه الفلسفيّة والاستراتيجيّة.
2019، كانت آخر زيارة إلى منزله في بلدة “شانتو” Chantea، نهارٌ طويل قضته معه د. يونان كعادتها، برفقة زوجته العزيزة هيلين التربويّة والناشطة اللاعنفيّة. بعدها، حلّت جائحة “كورونا”…وكان آخر اتصال في ذكرى مولده في 21 أكتوبر الماضي، في عيده الـ 82. وموضوع التزامه بالوقت ليس إلّا عنوان الإنسان الصادق المُلتزم بالقيم الإنسانيّة ونشرها بين البشر. فهذا هو النضال اللاعنفي الحقيقي. فأريج الزهرة يلتصق باليد التي تُقدّمها.
أنا لا أُحبّ الرثاء ولست ضليعًا بهذا، وما أكتبه عن الراحل هو أنّه فيلسوف هذا العصر. فبعد دراستي ليسانس الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة، أُعجبتُ بفلسفة سقراط وأرسطو الواقعيّة، ولم أعِر اهتمامًا لفلسفة أفلاطون المعنوية المليئة بالقيم القابعة في الغيوم بعيدًا عن حاجات الناس وآلامهم.
والآن أؤكّد بمعرفتي المحدودة بأن جان ماري مولر هو فيلسوف العصر الذي يناقش الأديان السماوية. ففي كتابه “نزع سلاح الآلهة” والذي ترجمه للعربية الصديق ديمتري أفيرنوس، كان يُقدّم الأدلّة من الكتب السماوية التي تؤكّد موافقة الأديان على اللاعنف. وفي العام 1993 حضرتُ دورة تدريبية نظّمتها “الهيئة اللبنانية للحقوق المدنيّة (وقد أسّساها الثنائي صليبي يونان)، حيث تعرّفتُ بشخصيّة الفيلسوف مولر، وقد كانت السبب المُباشر لرفضي الفكر السياسي الشيوعي الذي ينادي بالاشتراكية، لأعتنق الفكر اللاعنفي مبدأً اتّبعته في حياتي وحرصتُ على تطبيقه.
وقد وردت جملة في نعي جامعة أونور للفيلسوف مولر: “.. وجوده كان مصدر قوّة وسعادة، وسيبقى” وسأزيد في الختام: وجود فكرك كان مصدر قوّة وسعادة، وسيبقى..
اقرأ أيضا: حافظوا على بيئة نظافتكم – ناجي سعيد