الكذب الذي تنشره الميديا وتعززه وسائل الإعلام – ناجي سعيد
لتحسين صورتنا الشخصية أم للفكاهة أو لحماية أنفسنا.. لماذا نكذب؟
الكذب عند الأطفال هو الوسيلة الأكثر شيوعًا التي يواجهها الأهل أثناء رحلة التربية مع أطفالهم. ولكن المشكلة تتفاقم عند عَجْزِ الأهل تربويًّا عن مواجهة “الكذب” عند أطفالهم بشكل تربوي سليم. فيقال مباشرة بعد “الكذب” عند أي طفل: أنه يحاول لفت النظر!، ثم يتابعون تأكّدهم من تشخيصهم، بأن يتجاهلون أو لا يعالجون مشكلة طفلهم.. والنتيجة: تعنيف الطفل لسرعة الحصول على الحلّ الذي يريدوه، وبالتالي يُزاد “الطين بلّة”!.
سناك سوري-ناجي سعيد
وقد قرأتُ دراسة تم إجراؤها من قبل العالم المختص بالسلوك الاجتماعي “تيموثي ليفين”، وشملت نحو 500 مشارك من خمس دول مختلفة. أن دوافع الكذب بشكل عام تنقسم إلى:
ترقية الذات: يُمكن أن يكون الكذب وفقاً لهذه الدراسة بدافع ترقية النفس وتعزيزها، وذلك عن طريق، تحقيق فوائد اقتصادية: ويكون ذلك بدافع كسب الفوائد المالية، وتبلُغ نسبة الأشخاص الذين يكذبون لهذا السبب حسب الدراسة 16%. فوائد شخصية: وتكون بهدف تحقيق فوائد شخصية تتجاوز الفوائد المالية، وتبلُغ نسبة الأشخاص في هذا الحيّز 15%.
تحسين الصورة الشخصية: ويكون ذلك بدافع تحقيق صورة إيجابيّة عن الذات، وتبلُغ نسبة الأشخاص من هذه الفئة حسب الدراسة 8%.
الفكاهة: ويكون الكذب حينها بدافع إضحاك الناس وجعلهم سعداء، وتبلُغ نسبة هؤلاء الأشخاص حسب الدراسة 5%.
اقرأ أيضاً: الإدمان وتقدير الذات – ناجي سعيد
التأثير في الآخرين: تتعدّد أوجه الكذب الذي يكون بدافع التأثير على الآخرين، وهي كما يأتي: الإيثار: يكون بسعي الشخص إلى تقديم الخير والمنفعة للآخرين حتّى لو اضطرّه الأمر إلى استخدام الكذب كوسيلة لذلك. وتبلُغ نسبة الأشخاص الذين يكذبون لهذا السبب حسب الدراسة 5%. الدافع الاجتماعي: وفي هذا النوع يكون الكذب بدافع تجنّب الفظاظة وإساءة الأدب مع الآخرين، وتبلُغ نسبة هؤلاء الأشخاص حسب الدراسة 2%. الخباثة: يكون الكذب بهدف إيذاء الناس وتعمّد الإساءة إليهم، وتبلُغ نسبة هؤلاء الأشخاص حسب الدراسة 4%. حماية النفس: يُمكن أن يكون الكذب وفقاً لهذه الدراسة بدافع حماية النفس، وذلك عن طريق ما يأتي: التستر على الأخطاء الشخصية: تبلُغ نسبة الأشخاص الذين يكذبون لهذا السبب حسب الدراسة 22%. التهرّب: يكون بتجنّب الآخرين والهروب منهم، وتبلُغ نسبة الأشخاص الكاذبين لهذا السبب حسب الدراسة 14%.
أسباب غامضة: شكّلت الأسباب المبهمة وغير الواضحة التي تدفع الشخص للكذب نسبة من نتائج هذه الدراسة، وذلك كما يأتي: أسباب مجهولة: وتكون بدوافع غير واضحة أمام نفسه وأمام الآخرين، إذ يكذب الشخص دون معرفةٍ حقيقةٍ للسبب الذي يدفعه لفعل ذلك، وتبلُغ نسبة هؤلاء 7% حسب الدراسة.
الكذب بسبب مرضيّ: وتكون بدافع عدم تقبّل الواقع والكذب لجعله أفضل، وتبلُغ نسبة الذين يعانون من هذا النوع من الكذب 2% حسب الدراسة.
ومهما اختلفت الأسباب وتعدّدت أنواع الكذب، لم تُدرج أي دراسة قرأتُها، بالنظر إلى عامل التطوّر التكنولوجي الذي طرأ كمساعد على نشر “الكذبة” كما النار في الهشيم. فقد أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي، “خبرية” الفتى ذو الثمانية عشر عامًا، بأنّه أصغر مخترع، ويقول بأنّ حصل على براءة اختراع (لا أدري ما هو حتّى الآن) وبأنّه أُدخل موسوعة غينيس!!.
والطامّة الكبرى تعامل ساذج من قبل وسائل إعلامية تهافتت لمقابلة المخترع المعجزة! ليس مُستغربًا في بلدنا أن نصادف برامج تَبثّها محطّات تفتقد مصداقيّة من خلال عدم مراعاتها معايير الخبر الإعلامي. وقد تسارعت وسائل التواصل الاجتماعي في كشف كذبة متداولة، لكنّ روّاد وسائل التواصل الاجتماعي الذين يمعنون في الإساءة التربوية للحالة المرضيّة التي هي أيضًا بدورها تغالي في الكذب، حيث برّر المخترع الصغير كذبة إدراجه في موسوعة غينيس، بأن صرّح في مقابلة نُشرت على اليوتيوب: أنا لم أدخل موسوعة غينيس، فإنجازاتي أكبر من غينيس. رَحِمَ الله امرئٍ عرف قدر نفسه..