الرئيسيةيوميات مواطن

الفرز الطائفي يلاحقنا إلى أوروبا.. لا يدركون أننا نتقاسم الموت والحب في “سوريا”

كلو كوم وهدوك يلي بيقلولك: «خلاص سوريا راحت»، «رح ترجع» تخرج العبارة من فمي كالسيف “رح ترجع”!

سناك سوري – سناء علي

«ما الفرق بين الطائفة x والطائفة y»، على طاولة المطبخ، في السكن الجامعي التابع لجامعة أوروبية، يسأل أحد الطلاب العرب ممن ساهمت حكومة بلاده بخربان البيت السوري، صديقتي عن الطوائف في سوريا (دون أن نذكر أسماء الطوائف)، يسألها عن الفرق بين الطائفتين، لست أدري ما سر اهتمامه بهذا الأمر، بينما من المفترض أنه يحضّر لرسالة الماجستير في اختصاص علمي، يعتمد كلياً على علم الحاسوب الذي لا يفهم سوى لغة الآلة حيث توجد فقط الأصفار والواحدات، يبدو أنه يعامل أبناء الطائفة x معاملة الصفر والأخرى معاملة الواحد، بما يعطينا سبباً، جلياً وواضحاً لتخلف دولنا في هذه المنطقة الحزينة، عن اللحاق بقطار الدول المتقدمة التي حتى لو انتقلنا للعيش فيها فإننا ننقل عقدنا وموروثاتنا إليها .. (هذا هو تأثير العلم علينا نحنا، كل شي لحال).

«إنت شو بتعرف عن الطائفة الفلانية اللي عم تسأل عنها» ترد عليه الصديقة، بسؤال استفساري، (بدها تعرف شو مخبا تحت لسانه)، يخبرها بأشياء وأشياء لا تمت للحقيقة بصلة، يسرد لها روايات الإعلام الذي أوغل في استباحة دمائنا، وملأ ساعات بثه الطويل رقصاً على جثثنا، مؤلفاً قصصاً هوليودية، خارجة من كهوف التاريخ ومغاوير الجهل.

«هل يصلون ويصومون؟» يتابع أسئلته الاستجوابية، «كل واحد على دينه، الله يعينه، فهناك من يصوم ويصلي في كل الطوائف، وهناك من لا يصوم ولا يصلي من كل الطوائف، فالأمر متعلق بالشخص نفسه وعلاقته مع ربه هذا ما يطبقه معظم السوريون»، يأتيه الجواب من الفتاة التي وبالرغم من تذمرها من إلقائه التهم يمنة ويسرة على جزء من الشعب السوري، إلا أنها تحاول تصويب الأمر أمام الشاب الذي نعتبره جميعاً صديقا لنا، فهو طيب المعشر بشكل عام، ويبدي لطفاً كبيراً في تعامله معنا، نحن السوريون القادمون من مختلف مناطق سوريا من أقصى شمالها إلى جنوبها ومن غريها إلى شرقها، (لسنا ندري إن كان سيغير رأيه بعد هذه المحاورة).

يعاود الشاب الذي لا يخفي التزامه الديني، سؤال الصديقة عن المنطقة التي ينحدر منها، كل واحد فينا، مصراً على فرزنا إلى طوائف ومذاهب، «هل تمكّنْتَ من التفريق بين السوريين من ناحية التعامل؟»، ليأتي جوابه بالنفي، «معناها ما في فرق بين هؤلاء وأولئك»، تضعف حججه أمام أجوبتها المنطقية، ويكرر أمامها الثيمة المأجوجة التي يلوكها الإعلام الكاذب «اللي أعرفه من الإعلام، أنهم مدعومون، وكل الثروات في أيديهم، وأنهم ليسوا مسلمين، ولا يؤدون الشعائر الدينية»، فترد عليه الفتاة بما هو عليه الحال في البلاد التي تنزف من شمالها إلى جنوبها بكل أديانها ومناطقها وطوائفها، التي اجتاحها الموت والفقر والجوع، دون أن يفرق بين ملحد ومؤمن، علماني وكافر، من هدول أو من هدوليك.

ينضج الطعام، وينتهي النقاش بين الاثنين هنا، دون أن تظهر آثار الاقتناع على وجه ذلك الشاب الذي نضج رأسه على مدار السنوات الماضية بما ساقه الإعلام من أفكار وأكاذيب، بما يعجز حديث عابر أثناء انتظار “استواء الطبخة” عن تغييره، لكن رمي حجرة وسط المياه الراكدة أفضل من لا شيء.

يتحاشى الكثير من الطلاب العرب هنا في أوروبا، الدخول في نقاش مع أحد السوريين حول الوضع في سوريا ..لا أحد يحبذ حديث السياسة وإن كانوا يستفسرون بين الحين والآخر عن الأوضاع الأمنية.

«ما أعرفه أن من تكرهه أمريكا واسرائيل هو الصح»، هذا ما تختم به طالبة جزائرية صغيرة السن، نقاشنا الطويل، حول الوضع في سوريا والجزائر، تبدو الفتاة مأخوذة برومانسيات الشباب الأولى، دون أية محاولة في الغوص في تفاصيل المشهد العربي المعقد وتداخل أجزائه، أو محاولة فكفكة الرقعة الكاملة إلى عناصرها الصغيرة، لست أدري إن كانت أفكارها المسبقة قد “تمايلت” قليلاً أم أنها قالت ما قالته من باب إنهاء الحديث.

طالب باكستاني آخر يتمنى السلام لسوريا مستفسراً عن الأوضاع الامنية، بينما شكلت وسائل الإعلام الغربية قناعة لديه أن الناس يقتلون بعضهم البعض، في حين لا يفهم طالب عراقي آخر، لماذا طالت الأزمة كل هذه السنوات، كيف أشرح له كل الأسباب، إن كنت لا أعرفها أنا أصلاً، لكن اللافت في النقاش مدى ابتعاد معظم الشباب العربي هنا، عن أوضاع بلدانهم، ومحاولتهم إبداء عدم الاهتمام، والانخراط في أساليب الحياة الأوروبية، أتراها عقد النقص، أم أن الناس قد تعبت من مشاكلها التي لا تنتهي.

لماذا لا أشعر برغبة بالحديث مع كل هؤلاء الذين، يتحدثون عن “سوريا”، «كل حديث عن الحرب لا يحمل ألماً، هو نوع من الخيانة والخذلان»، كنت سمعت هذه المقولة من صحافية لبنانية انتقلت للعيش في “سوريا” منذ أن بدأت الحرب، لا تزال العبارة ترن في أذني كلما سمعت أحداً يتكلم عن “سوريا” وخاصة إن كان عربياً، لماذا أتكلم معهم ولا ألتمس نوعاً من الألم في أصواتهم.

كيف سأشرح لهم؟ وعما أتحدث؟، هل أتكلم عن معظم دولهم التي صوتت لإخراجنا من الجامعة العربية منذ الأيام الأولى، وساهمت في إشعال نار الحرب وعرقلة الحلول، بدلاً من لعب دور إيجابي في تقريب الأطراف؟، هل أتحدث عن وسائل الإعلام الكاذبة التي رمت بأعراف المهنة عرض الحائط؟، هل أحدثهم عن الضحايا والجرحى، عن المفقودين والمخطوفين والمعتقلين ..عن المشردين واليتامى.. عن المغلوبين على أمرهم.. عن داعش وأخواتها ..عن الفقر والبرد والجوع والموت الذي لا يسأل عن طائفة ضحيته .. كيف أفسر لهذا الفضولي الباحث عن تقسيمنا إلى طوائف، أن الموت قد جمعنا .. و أن القهر قد لفنا ..لماذا تسألون المذبوح عن لون دمه؟ … «فليذهبوا للجحيم» أقول في نفسي، كل حكوماتهم ساهمت في خراب بلدي، فضلاً عن أولئك الذي ينظرون بعين الشفقة مرددين العبارة المقيتة، «خلاص سوريا راحت»، «رح ترجع» .. تخرج العبارة من فمي كالسيف ..لتقطع أي مجال للكلام بلغة الاستعطاف عن البلد الذي مد يد العون لكل تلك البلدان يوم كانت “دمشق” محجاً لهم.

«تحتاجين الى طلب عدم ممانعة بالعبور كي تتمكنين من دخول الأراضي الأردنية»، يأتيني الجواب الرسمي حول الاستفسار عن إمكانية السفر إلى “الأردن” ومنه إلى “سوريا” …بدلاً من “لبنان” الذي أثرت أوضاعه الحالية على قسم كبير من السوريين في الخارج والداخل ممن يسافرون من خلال مطاره الدولي، إلى بقية دول العالم، التي تدعي احترامها لحقوق الإنسان فيما تفرص عقوباتها على شعب كامل وتحرمه من أبسط حقوقه في التنقل، أملأ الطلب الرسمي وأنا ألعن كل دروس التاريخ العربي المشترك، وتقاطعات الجغرافيا ومبادئ الترببة القومية في الآمال والآلام العربية المشتركة، التي أكلت من رؤوسنا “شقفة” أيام الدراسة، ليتبيّن أن الأمل الوحيد لبعض العرب هو زيادة ألم البعض الآخر.

أتذكر كيف سارعت الدولة السورية لتزويد الأردن بمياه الشرب عندما عطش سكانه ..فيما مضى من الزمن، أتذكر كلاماً لمحاضر أردني في عام 2008، أثناء حضوري دورة تدريبية هناك، عندما طلبنا منه إرشادنا الى محال لشراء الهدايا الجيدة، ساخراً من طلبنا «بدكم تاخدوا هدايا من الأردن على ىسوريا، نحنا مننزل كل خميس على درعا والشام، منجيب كل غراضنا من سوريا ..حتى الخبز نشتريه من عندكم .. والأردني لما بدو يشتري ثياب مرتبة، يشتري من الصناعة السورية».

أتذكر كيف دفعنا وقتها 20 دينار لندخل إلى “البتراء” مثلنا مثل أي سائح أجنبي، فيما يدفع الأردني ديناراً واحداً، بينما كان الغريب ينام على ظله واقفاً في “دمشق” .

هامش: الطالب ذاته عاد بعد يومين وتحدث مع الفتاة قائلاً لها أنه بحث وسأل، وعرف «من هو من هدول ومن هو من أولئك»، و عندما سألته عن رأيه، قال لها «بالعكس حبابين»، معترفاً بتأثره بروايات الإعلام.

اقرأ أيضاً: خبي كيسك الأبيض والأسود ليوم التسوق في “أوروبا”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى