هل تنتبه الحكومة إلى خطر التسويف والتأجيل من إعادة النازحين إلى منازلهم؟
سناك سوري- خاص
نظر إلي بعينين شبه مغمضتين بفعل أشعة الشمس التي اختارت أن تستطع بقوة في ذلك اليوم، سرعان ماهرول مبتعداً دون أن أعلم إن كانت ابتسامتي قد أخافته أو أنه ربما لم يعرف معنى الابتسامة قبل الآن، فمن الواضح أنه لم يتجاوز السابعة من عمر قضاه تحت وطأة الحرب في الغوطة الشرقية.
مثله عشرات الأطفال الذين وجدوا أخيراً مساحة آمان لهم في مراكز الإيواء بعيداً عن صوت النيران والغارات والرصاص، غير مدركين بعد لما ينتظرهم من مستقبل، على عكس أهلهم الذين يفكرون ليل نهار في القادم حالمين بعودة سريعة إلى منازلهم، بعيداً عن المخيمات وهمومها.
أهالي الغوطة الذين أغدقت عليهم الحكومة كرماً طائياً يدركون أن الكرم سينضب قريباً، والقادم في ظل الحياة داخل المخيم ليس بذلك الجميل الذي يريدونه لهم ولأطفالهم، هم يريدون أن يعلموا كيف سيتم التعامل معهم، ومتى سيعودون مجدداً إلى منازلهم، وكيف أصبحت تلك المنازل بعد كوارث التعفيش والسرقات.
135 ألف مدني من أهالي الغوطة يفكرون اليوم بالقادم، عيونهم تقدح شرار الأمل، وسواعدهم مستنفرة بحاجة أن تعود لحراثة أرض تنتظرهم مدفوعين بفكرة أن الأرض لن تسرق كما المنازل فالتراب كثير لمن أراد منه شيئاً، يقول أحدهم لـ سناك سوري: «الرجعة قريبة إن شالله»، يرد آخر: «سنعود لن نتأخر»، تشعر وكأن هذه الأحاديث احتلت مكان السلام ورد السلام.
اقرأ أيضاً: عن الناجين من “الغوطة الشرقية” .. خرجنا بأعجوبة
وأما تلك التي أخذوا زوجها إلى التحقيق فتصيح بملئ صوتها: «حتى لوقالولنا ارجعوا عبيوتكم مابرجع ليجي زوجي، زوجي ماحمل سلاح وماطلع على ادلب ليش ياخدوه»، ترد عليها آخرى أصبحت جارة بفعل المخيم: «ماتخافي لسه بيطلع زوجك وبتجيبو ولد ومامنطلع من هون».
أهالي الغوطة الذين استراحوا من عبء الحرب، سيكون عليهم أن يتشاركوا مع أشقائهم السوريين عبء انتظار الوعود الحكومية، وللأمانة فإن الحكومة تماطل أكثر من الحرب ذاتها والأمثلة على ذلك لا تنضب أبداً.
يصر أهالي الغوطة الذين يحصلون على مساعدات إغاثية على العمل مقابل الحصول على مبلغ مالي يمكنهم من متابعة حياتهم ريثما تعود إليهم منازلهم وأراضيهم، فهذا نجار يطالب بإيجاد عمل له رافضاً مد يده لأولئك المتنفذين الذين يأتون للتصوير وهم يوزعون الطعام والشراب، شاب آخر يطلب أن يعمل كدهان لكنه يخاف الذهاب إلى دمشق لكونه من الغوطة التي كانت حتى الأمس القريب مصدر القذائف التي انهالت على العاصمة، إنه يدرك ان لا ذنب له بالأمر وهو مثلهم كان واقعاً تحت رحمة الغارات، لكنه لن يستطيع تفسير ذلك لهم كما يقول.
يتسائل الأهالي اليوم عن خطة الحكومة للتعامل معهم مستقبلاً، بعد انتهاء الحرب بالشكل الذي أرادته الحكومة، وخروج المسلحين منهم إلى الشمال السوري، فكل يوم تأخير يعني كارثة حقيقية ليس بالنسبة لهم فحسب بل بالنسبة حتى للمكان حيث يعيشون فهل سيتحول إلى مخيمات دائمة يتمخض عنها مستقبلاً سكن عشوائي، ناهيك عن المشكلة الأخرى في ترسيخ فكرة الحياة على المساعدات وهو ماقد ينبئ بمشاكل ستدفع الحكومة ثمنها مستقبلاً إن لم تتدخل اليوم.
اقرأ أيضاً: “الزعتري” يصف مراكز إيواء النازحين من “الغوطة” بالمأساوية