الرئيسيةفن

اللاذقية بعيون الأدباء.. واحدة من مدن الروح

تبغ “اللاذقية” في “زيورخ السويسرية”.. شممته فاستعدت طفولتي

سناك سوري – عمرو مجدح

“اللاذقية” ليست مجرد مدينة أخذت اسمها من والدة “الإسكندر الأكبر” ولا مدينة تعاقبت عليها الحضارات المختلفة فقط هي واحدة من مدن الروح خلدها “المتنبي” في عدد من قصائده وزارها “أبو العلاء المعري” ليتعلم الفلسفة اليونانية ومازالت مقصد الشعراء والأدباء والرساميين، كتب عنها العديد من الأدباء وآخرون أحبوها حتى الثمالة منهم من انتمى إلى بحرها ومنهم من غادرها ولم تغادره جبالها وغاباتها..

كتب الروائي السوري “حنا مينه” في مجلة المعرفة 1989 مقالة بعنوان “اللاذقية مدينتي” قال فيها:« لا أذكر في أي كتاب وردت هذه العبارة “أمنيتي أن ينتقل البحر إلى “دمشق”، أو تنتقل “دمشق” إلى البحر”، لكنني أذكر، منذ وعيت، أن البحر أعطاني ماءه الأزرق دماً في شراييني،
حبي للبحر، لا يحتاج إلى شهادة، كتبي هي شهادتي، غير أن البحر محبوباً، لا يبقى في المطلق، إنه في ذاتي، ظرف مكان وزمان، المكان هو “اللاذقية” والزمان تلك السنوات الممتدة بين هجرة عائلتي من لواء “اسكندرونة” عام 1939، وبين هجرتي من “اللاذقية” إلى “دمشق” عام 1948،
حب “اللاذقية” كان حبي الأبلغ كتبته على جبيني، وصدري وأصابعي وكتبته أيضاً على أحجار القلعة، وخضرة المنشية، ورمل الشاطئ، وبياض النورس».

اختار “مينا” مدينته “اللاذقية” كأحد نعمه ومنحها حبه ووجوده حيث قال:« المدينة التي اصطفيتها نِعمي ومنحتها إيثاراً وتكرمة، حبي كله ووجودي كله، فهي مدينتي “اللاذقية”، وغداً عندما يخرج الجسد من بوابة البيت في مشواره الأخير، بين مسقط الرأس ومثواه وعندما ترف الروح حمامة بيضاء تعانق غمامة الموت، سيكون في وسعي حسب قول “ناظم حكمت”، أن أودع الأبدية، يا لاذقيتي، الحبيبة، لقد فعلت كل شيء لإسعادك».

الكورنيش الجنوبي “اللاذقية” – بلال عجوز

تحت عنوان “اللاذقية الصوت والصدى” كتب “مسعود بوبو” الأديب الراحل والدكتور في العلوم اللغوية عن مدينته قائلاً:«مدينة من زبد وغيم، والأجراس من قديم كالمصابيح ترتعش في مهب الريح، والموج، والزمن، وها هو ذا البحر يمد أصابعه المالحة، ويتلمس طريقه صاعداً من القدمين إلى الخاصرة فينزع “الأوغاريتيون” ثيابهم ويترامون في عقبه، هل رأيت “اللاذقية” صبحاً تفك ياقات النوافذ، وتخرج متهادية على الشاطئ المندى؟ هل رأيتها ترتشف قهوة الموج الرخيم، وفوقها نوارس الصباح تستحم في زرقة الطمأنينة والدعة؟ وعبر المدى البحري المغتسل بالنور تموت زوارق الصيادين وتحيا، والماء يختطف القصص المحترقة، وفي الليل يعيد قصها للعشاق والسمار، والريح مؤاتية».

للمدينة البحرية لدى “بوبو” وصفاً خاصاً فهي حسب قوله:« تبدو أحياناً، كأنها خارجة من تنهيد البحر، تحبو متثاقلة بالحيرة والرطوبة والاغتراب، من سنين كانت حناجر المدينة حين يخنقها القيظ، أو تستبيحها العواصف البحرية ترفع أشرعة الفناء وترحل في عبابه تاركة شواطئ الضيق خريفاً من المناديل البيض المبللة بالدمع والمطر، كانت حين تجوع تمشي حافية على الصخور المسننة، وتخرج بأقدامها المجرحة وبالسمك المدمى وتأكله نيئاً، كانت لا تعلن جراحها لأحد، تداوي جراحها، كانت حين تقترب الحرائق تتعمد برمل الشاطئ وكانت حين تهدد تصير على حافة الرقص، وكانت حين يأتونها بجثث الشهداء تصير على حافة السفر، وكان الغائب عنها حين يستعيد صداها يصير على حافة البكاء».

اقرأ أيضاً:الصورة التي حيرت السوريين على السوشيال ميديا.. هل هي في “اللاذقية”؟

الدالية ريف جبلة “اللاذقية” – بلال عجوز

في كتابها “حكايات حب عابرة”  كتبت الأديبة والروائية “غادة السمان” عن مدينة والدتها “اللاذقية” فقالت:« قد هزني دائماً انتمائي إلى ذلك الشاطئ السوري الذي عرف أول أبجديات العالم، وأنا حين صرت كاتبة لم أفعل أكثر من الإنتماء إلى حرفة أسلافي الأولى، أخوالي الدكتور “أمين رويحة” ، والشاعر “رشاد رويحة” وهما أديبان معروفان في “اللاذقية” مدينتهم وفي “سوريا” جمعاء، وخالي المرحوم الدكتور “رياض” كان فناناً في رقته وعذوبته، وكذلك خالي “قاسم” وأولاد خالي كانو أيضا من عشاق الأدب، ولذا لم تكن مصادفة أن تكون ندوتي الأدبية الأولى في “اللاذقية” مدينة أمي، وأن يحضرها خالي الشاعر الضرير “رشاد”، وأن يغمرني ابن خالي الأديب والصحفي “نجيب رويحة” بدفء صداقته ويدعمني اجتماعياً وأدبياً ويرافقني طوال إقامتي، وكلما زرت الشاطىء السوري، لقد وجدت نفسي في أسرة كل من فيها ينزف حبراً».

وفي كتابها “إمراة على قوس قزح” روت قصة “بائع التبغ” في “زيورخ السويسرية” الذي عرض عليها شراء “لاتكيا كرول” تنبك “اللاذقية” وطلب منها أن تشم رائحته وتقول: «شممته فاستعدت طفولتي، لا يعرف البائع أن أمي هي ابنة “اللاذقية”، وطفولتي معجونة في ذاكرتي برائحة هذا التبغ المتغلغل في عروق شوارعها وبيوت أخوالي وبقية الأهل والصباحات وشاطئ البحر ، وكيف يعرف ذلك وهو يناولني كراساً يتحدث عن تبغ “اللاذقية” المسمى “أبو ريحة” ويترجمها الكراس بعبارة جميلة هي “والد العبير” أما أنا فكنت قد عدت لحظتها طفلة في بيت جدي في “اللاذقية” وعاشقة في مخدع الوطن ولعلي دمعت فظنني بائع التبغ عاشقة للتدخين ».

اقرأ أيضاً:أم أركيلة وحردانة أغرب أسماء القرى السوريّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى