الرئيسيةرأي وتحليل

المواطن السوري الاستثنائي – أيهم محمود

عن المواطن السوري الاستثنائي بالطريقة التقليدية وليس من يتناول "البندورة بغير وقتها"

يحتاج الكثير من السوريين إلى التميز لكي يستطيعوا إكمال دورة حياتهم وتوازنهم، يحتاجون الاستثناء في أمرٍ يُظهرهم اجتماعياً أو يدعمهم مادياً، أي استثناءٍ مهما كان صغيراً هو أمرٌ جميلٌ على أرض وطنهم على الرغم من ميل أصحابه الواضح إلى الالتزام بالقوانين والأنظمة عندما يصبحون خارج سوريا، فالاستثناء الذي نتحدث عنه هنا ليس ذاك التميز العلمي، أو الإبداع والابتكار، بل تلك الحاجة المُلحّة إلى خرقٍ قانونٍ ما أو عرفٍ اجتماعي أو أخلاقي في سبيل تحقيق مصلحة مادية أو نفسية.

سناك سوري-أيهم محمود

على الرصيف العريض في الحي الذي أقطنه خصصوا مواقف طولية للسيارات، لكن الاستثناء الشعبي العابر للحالة التعليمية والمادية والثقافية حوله بالإجماع إلى موقفٍ عرضي ظل يتمدد حتى أصبح قسم من السيارات يشغل ثلاثة أرباع عرض الرصيف، وبما أن هذا الاستثناء قد أصبح قاعدة عامة ولم يعد فيه أي شيء يميز الفرد اضطر أحد أصحاب السيارات آسفاً أن يقطع الرصيف بكامل عرضه، أوقف سيارته بشكل متعامد مع سور البناء، سيكون هذا المواطن الاستثناء سعيداً بانتصاره وهو ينظر من شرفة منزله ليرى المواطنين الآخرين يمشون بين السيارات في الطريق أثناء محاولتهم الالتفاف حول استثنائيته الجاثمة على الملك العام الذي أصبح خاصاً، بسبب تميزه وبسبب دقة رسم الزاوية بين سيارته وبين سور البناء، لقد فهم أخيراً سبب فرض مادة الهندسة عليه في المرحلة الإعدادية، كان سعيداً جداً بإظهار براعته في رسم الزاوية القائمة على رصيفٍ عام.

قبل خمسة عشر عاماً على وجه التقريب وقف مواطنٌ آخر في منتصف الطريق مُوقفاً السير لمدة تجاوزت عشر دقائق، لم يكن هذا المواطن مسؤولاً، ولم يكن من المتنفذين أصحاب السوابق في هذا المجال، بل كان إنساناً عادياً لم يجد شيئاً في حياته يستحق أن يُحَدّث أصدقاءه به سوى قطع طريقٍ عام، الأمر بهذه البساطة، وبهذه التفاهة، وبهذا الرعب!.

اقرأ أيضاً: التفاصيل الخفية لواقعة قتل أفعى – أيهم محمود

لا ينحصر الاستثناء السوري بهذه المواقف والشرائح فقط، بل يتمدد في كل اتجاه ويشمل كافة المجالات، بعض المهن العلمية تُبيح لنفسها ممارسة عملٍ خاص على هامش عملها الرسمي الحكومي، عملٌ يتعلق بوجود الفرد في موقعٍ وظيفي ما، ولولا وجوده في هذا الموقع لما حصل على هذه الأعمال إطلاقاً، ذات الفرد الذي منح لنفسه الفتوى بمشروعية هذه الأعمال يصف اضطراره إلى المرور بقنوات احتكار الآخرين لهذه الخدمات بفعل موقعهم الوظيفي بأنها فساد يجب ضربه بيد من حديد!، اليد الحديدية هنا للآخرين فقط لأن جوهر المشكلة هي عدم شعور المواطن الاستثناء بأنه هو أيضاً يخرق القوانين والأعراف عشرات المرات، لا توجد مشكلة مع الذين يعترفون بخرقهم الواعي للقانون فهؤلاء يمكن الوصول معهم إلى نتيجة ما أو اتفاق ما، لكن من يخرقه ويظن أن هذا الأمر هو حقٌ طبيعيٌ له فهذا يحتاج إلى جهود عظيمة ومهمة لإقناعه أنه لا يختلف عن إخوته الاستثنائيين.

الأمثلة كثيرة ولن نُسهب في وصفها، لا يختلف المواطن الاستثنائي الذي يقف على باب الفرن بعيداً عن طابور المنتظرين دورهم باحترام عن ذلك الذي يملك المليارات ويحتاج استثناءاً جديداً لقضم المزيد من الامتيازات، الجذر النفسي واحد، جذرٌ يستحق التوقف عن المراهنات السياسية والالتفات إلى الجانب العلمي الكامن وراء وجوده، فهو عابرٌ للثقافات المتصارعة على الأرض السورية، وعابرٌ للمستويات التعليمية والثقافية، هو حاجةٌ نفسيةٌ سوريةٌ مُلحّة تنتشر بين الناس كما الوباء، يُغمض الجميع أعينهم عن وجودها، يتجنبون تشريحها وفهم أسبابها ودوافعها، بل يتجنبون حتى رؤيتها، في مسألة السيارات القوانين واضحة ولا تحتاج “ثقافة الشكوى” التي يتحدث عنها بعض المسؤولين، بل تحتاج “ثقافة الرؤيا”، فهذه المظاهر موجودة أمام أعين الجميع وفي كل مكان ولا تحتاج بالتأكيد إلى شكوى فردية لملاحظة وجودها.

اقرأ أيضاً: الجهني: البندورة للمستهلكين الاستثنائيين وليست لعامة الشعب

زر الذهاب إلى الأعلى