الرئيسيةرأي وتحليل

العناية بالذات ومواجهة الضغط النفسي _ ناجي سعيد

الاعتراف بالفشل يعطي جرأة طلب المساعدة

بحسب الثقافة الشعبية، لا يمكن شراء السرج قبل إمتلاك الحصان. وفي موضوع اليوم عن “العناية بالذات”، لا يمكن أن نعتني بذاتنا قبل معرفتها، ليمكننا تقديرها فيما بعد.

سناك سوري _ ناجي سعيد

ففي حياته اليوميّة يواجه المرء صعوبات جمّة. ولو أردنا تبويب هذه الضغوطات، لأيقنّا بالتأكيد بأن جامع الضغوطات “النفسيّة/ الشخصية/ المهنيّة..” هي: “الذات”.

فهل يمكن لأي سائق سيّارة، أن يغفل صيانتها كل فترة؟. وكيف الحال لو طرحنا السؤال حول الإنسان لا السيّارة أو أي ماكينة؟ لو اتّبعنا منهجيّة التفكير الغيبي، لاتّكلنا على الله في تدبير “العناية بالذات” لأي إنسان!

لكنّ هذا التفكير الغيبي ليس إلاّ اتّكالية تبعد عن الذات مفهوم العناية. وبدايةً، لا يسعني أن أُعرّف مفهوم الضغط النفسي لمعرفته من قبل الناس، بل يكفي أن أستعرض بعض المظاهر التي تعكس الضغط النفسي.

فعلى المستوى الفيزيولوجي: يعكس الجسدُ الضغطَ النفسي والتوتّر من خلال الإشارات التالية: زيادة معدل نبضات القلب وتسارع عملية التنفس، ارتفاع ضغط الدم، اضطراب المعدة والغثيان والإسهال. زيادة أو انخفاض الشهية التي قد تكون مصحوبة بفقدان أو زيادة الوزن، التعرق أو الإحساس بالبرد، ألم أو التهاب في العضلات. ألم في أسفل الظهر، تعب لا يزول مع النوم،انخفاض المقاومة لنزلات البرد والانفلونزا والالتهابات.

اقرأ أيضاً:الأولوية الإنسانية والسياسة – ناجي سعيد

وعلى المستوى السلوكي:  تغيير في مستويات النشاط، انخفاض الكفاءة والفعالية، صعوبة في التواصل،ارتفاع حس الدعابة السوداء، سرعة انفعال، نوبات غضب، جدالات متكرّرة. عدم القدرة على الاستراحة أو الاسترخاء، تغيير في العادات الغذائية، تغيير في أنماط النوم. تغيير في الأداء في العمل، نوبات بكاء، زيادة في استخدام التبغ، أو الكحول. أو المخدرات، أو السكر، أو الكافيين، تجنب الأنشطة أو الأماكن التي تعيد ذكريات.

أمّا على المستوى العاطفي، فنلاحظ: القلق أو الخوف، القلق على سلامة الذات أو الآخرين، سرعة الانفعال أو الغضب، التململ، الحزن، المزاجية، الأسى أو الاكتئاب، الشعور بالغرق أو العجز أو اليأس،  الشعور بالعزلة، أو الضياع، أو الوحدة، أو الهجر.

وهذا العرض ليس إلاّ لمعرفة مظاهر الضغط النفسي، أمّا كيف نواجهه، فقبل الذهاب إلى الطبيب والبدء بالأدوية التي تسبّب الإدمان أحيانًا، لا بدّ من انتهاج سلوك مُعيّن يُبعد شبح القلق والأرق والإضطراب.

فعند مواجهة مشكلة ما، فإنّ السبب الرئيسي للقلق هو الخوف من الفشل وغالبًا ما يكون لعدم اعترافنا بالعجز عن إيجاد الحلّ. الاعتراف بالفشل أساسي ويساعد على الجرأة لطلب المساعدة من الآخرين.

اقرأ أيضاً:الشباب المندفع وتحذيرات من خطأين اثنين- ناجي سعيد

فالذات التي تعرف ذاتها، وتُدرك مفهوم العناية بها، تجزم بأن الذات تكتمل بالانفتاح على الآخر، وطلب مساعدته. وهذا الانفتاح عنوانه الاعتراف بالفشل والخطأ، وبعكس المفاهيم الشعبيّة السائدة: «الرجّال ما بيبكي وما بيفشل وما بيخسر» فيصبح الإنسان مثل العم “بو نايف”. لا يخترق جسده الرصاص، وباستطاعته إسقاط طائرة ببندقيّة الصيد.

ليست الضغوطات النفسية سلبيّة دائمًا، وتأتي في ثلاث مستويات: الضغط النفسي الإيجابي الذي يشعر به أي شخص قبل خوضه أي تجربة حياتيّة نتيجتها مُفرحة، “الامتحانات، الزواج، التخرّج”. والضغط النفسي السلبي، الذي يأتي بعد الشعور بالحزن لفشل مشروع أو الرسوب في امتحان أو خسارة الفريق الرياضي المُفضّل. وثالث مستوى هو الضغط النفسي الصادم، وهذا الأخطر، فيأتي مثلاً بعد “فقدان شخص عزيز، حادث سير، أو طلاق”.

والمستوى الثالث بالطبع يحتاج إلى متابعة نفسية. ومن الأفضل عدم اللجوء إلى الأدوية والعقاقير. فالعناية بالذات لو كانت مُتّبعة بشكل سليم فهي كفيلة بعدم التعلّق بالأدوية المُسبّبة للإدمان.

وأنا شخصيًّا استفدت كثيرًا من كتاب “التأمّل” للفيلسوف “جِدّو كريشنامورتي”. فبعد ما قرأته، اتّبعتُ طريقته ومنهجيّته في التأمّل والتي تساعد على الراحة والاسترخاء وامتلاك القدرة على التفكير. وهي الجلوس في مكان هادئ مع أو بدون موسيقى، مع التركيز على تفريغ الدماغ  من كلّ الأفكار مهما كانت. وهذا ما يكون إراحةً للدماغ من العمل، كنوع من الصيانة، ليعاود العمل لاحقًا بنشاط أفضل وتفكير غير مُسبق، وهذا يُكرّس فلسفة دماغيّة حرّة: هنا والآن.

اقرأ أيضاً:هل الناشطون بحقوق المرأة مجرد “بياعين حكي”؟ – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى