الخمسينية هيام تجدد جواز سفرها وتحزم الحقائب
هيام وفي مثل سنها كانت تنتظر الخروج في رحلة ترفيهية كمكافأة نهاية خدمة لا رغبة بالهجرة!

“توصل بالسلامة” و”نشوفكم بخير” “ومثل ماودعتو تلاقو” “نلتقي على خير”، كلمات ليست أقل وقعا من “ياريتك معنا” و”ياريت العيلة تجتمع” والأصعب “أنتم السابقون ونحن اللاحقون”، بتنهيدات وحرقة للسفر أو للهرب بالمعنى الحقيقي للأمر هذه الأيام وكأننا نقول لهم “انجو بحياتكم”.
سناك سوري – رهان حبيب
“هيام” الخمسينية، ودعت ابن أختها من شهرين وأختها قبله، وصديقتها وجيرانها ورفيقات إلتحقن بأولادهم آخرهم أب وأم طارا لملاقاة أولادهم الثلاثة وعائلاتهم، وقد سافروا منذ سنوات أصبح لهم فيها أحفاد وقبّلوا صورهم لأن الأوضاع لم تشفع لهم بالأحضان والتلاقي.
تقول “هيام” في نفسها، ليت الحظ يشفع لها فتخرج مثلهم حتى لو لشهرين فقط، وكأنها تبحث عن رحلة تشحذ فيها نفسها التي ضاقت من الظلام والتقنين والغلاء والركض وراء اللقمة.
الخمسينية تبحث في عروض الفيز على صفحات مختلفة علّها تجد ما يناسبها مع غصة كبيرة، فمن المفترض بعد هذا العمر وخدمة ٢٥ عاماً في الوظيفة والعمل، أن تبحث عن رحلة ترفيهية أو قضاء عدة أيام في منتجع أو في زيارة للترفيه في بلدان الجوار وهذا لم يتحقق للأسف.
اقرأ أيضاً: غاز وبنزين ومازوت.. الرفاهية الهشة تنتهي في حياة هيام!
الغريب أنها لم تكن يوماً تحلم بالسفر خارج بلدها وبشكل خاص مدينتها “السويداء”، فقد ألفت طقوس حياة هادئة مستقرة أخذت تتساقط أوراقها يوماً بعد يوم وأخذ الأحبة يرحلون، تتذكر فنانين وحفلات بسيطة ورحلات قصيرة وصحبة قريبة من القلب لم يبقّ منهم إلا من يعاني المرض أو الفقر أو الاكتئاب وتسأل على الدوام لمن نبقى ومع من؟.
بالأمس تجولت في الأسواق التي تحطم زجاج متاجرها وشوارع فيها من الحفر والفوضى ما غصت به المدينة، ووجوه الأهالي التي فقدت الابتسامة حتى لرغيف الخبز الساخن غير الموجود والذي فشلت آليات إيصاله الكثيرة بإيصاله حتى ساخناً.
تجربة الحياة في مدينتها المفضلة التي كانت جنتها لم تعد ممتعة، فالموت ولباس السواد غطى المشهد وحقائب السفر حلت بين يدي المتسوقين، مكان هدايا الأطفال والكبار بمناسبة أو دون مناسبة.
بالأمس قدمت التهاني لدفعة طلاب الطب البشري باقة من الأطباء والطبيبات صورهم تشرح الصدر، لكنهم أيضاً على سفر هذا ينتظر القبول، وتلك تلتحق بخطيبها وطلاب الهندسة ليسوا أوفر حظاً، هؤلاء الطلاب الذين رافقتهم والتقطت صورهم في حفلات تكريم لهم كأوائل في الثانوية العامة، وكانت فرحة الأهل لاتوصف بنجاح أولادهم الذين سيودعونهم إلى المطار قريباً والأكثر إيلاماً تلك الأمنية الله ييسرلك وتسافر عن قريب.
اقرأ أيضاً: السوق لم يعد مكاناً آمناً.. الكثير من الأحلام تهدر هنا
وتسأل هل يفرح الأهل بسفر أولادهم وغيابهم؟، وكيف يفرح الأهل والجد والجدة أم هو نوع من الدعاء علّ الأولاد والأحفاد يلاقون مصيراً أفضل؟.
جارتها بالأمس بحثت عن حفيدها طالب الهندسة الذي سافر منذ أسبوع إلى “ألمانيا”، وكان يد جدته وعينها يساعدها بضبط التلفاز وتلبية احتياجاتها، بكت بحرقة ورغم ذلك تمنت لها السفر، وقالت لـ”هيام”، “سافري قبل أن تشيخي مثلنا ولاتجدي من يساعدك للخروج إلى الطبيب أو مشاهدة ما تحبين”.
الخمسينية تستعد لتجديد جواز السفر بعدة صور أظهرت آثار سنوات تعب مرت، لكنها أخف وطأة مما اختبأ بالقلب من حزن ووجع وتعرف أن الحقائب جاهزة، ولن تجد صعوبة بتجهيزها لكنها أيضاً تحتار فأي حقيبة ستحمل ذكريات العقود الخمسة، ومنزل حفظ صورها وعائلتها وأحباب دخلوا وغادروا وأرواح ستغادر أعشاشاً شعرت بالأمان فيها عقود طويلة لكنها اليوم فارغة باردة ينهشها الصقيع.
اقرأ أيضاً: اليمامة مطمئنة ربما نفدت من رصاصة طائشة مثلي