يعتبر فيلم “الرسالة” للمخرج السوري الراحل “مصطفى العقاد” أحد أهم الأفلام العالمية التي قدمت السيرة النبوية باتزان كبير. ورغم منع عرضه في كثير من الدول العربية على رأسها السعودية ومهاجمتها له. إلا أن دور السينما السعودية شهدت عرض الفيلم الذي أنتج عام 1976، عام 2018.
سناك سوري _ دمشق
كانت الفترة التي قضاها المخرج الراحل “مصطفى العقاد” بالتحضير لفيلم “الرسالة” شاقةً جداً، حيث استغرق إعداده خمس سنوات ليحصل على تمويل نتيجة موضوعه الحساس.
فيلم الرسالة الذي يتناول السيرة النبوية، وبعد جولة في الدول العربية حصل على تمويل ثلاثي. من “ليبيا”، “المغرب”. و”الكويت”. حسب ما ذكر “العقاد” في برنامج “مقص الرقيب”، عام 2000.
بدايةً طُرح الفيلم باسم “محمد رسول الله” ليبدأ الجدل بعده مباشرةً، بعد أن عنونت “الأهرام” أن الفيلم سيتناول قصة الرسول “محمد” وسيؤدي دوره “انطوني كوين”. ولا يعلم “العقاد” إن كان هذا التأويل مقصوداً أم لا.
وانطلق “العقاد” برحلة كتابة السيناريو من “القاهرة” ليجتمع مع علماء “الأزهر” الذين تعاونوا مع السيناريست الأميركي. في كتابته بعد أن كان يقوم بترجمته وعرضه عليهم.
متعاوناً في الكتابة مع “عبد الحميد جودة السحار”، “توفيق الحكيم”. و”أحمد شلبي” وغيرهم . إلى أن وصلوا للنسخة الأخيرة التي ختمها “الأزهر” معلناً موافقته النهائية عليه.
وأخبروا “العقاد” بعدها أن يحتاج لموافقة “المجلس الشيعي الأعلى” في “لبنان”، الذي قرأه بدوره وأعلن الموافقة على البدء بتصويره.
إلا أن المعضلة بدأت عند “رابطة العالم الإسلامي” في “السعودية” والذين رفضوا قراءة النص، بناءً على الدعاية الإعلانية التي رافقت الفيلم منذ الكشف عن اسمه.
وكانوا ضد الفكرة نهائياً حسب ما قال “العقاد”، وأخبره أحد الشيوخ غير السعوديين «أن من أراد معرفة الإسلام فليقرأ القرآن». ولم يحصل على الدعم سوا من السعودي الوحيد بينهم “أحمد جمال”، وتمسك البقية بحجة أن الفيلم عن الرسول والصورة حرام.
“رابطة العالم الإسلامي” في “السعودية” رفضت قراءة النص، بناءً على الدعاية الإعلانية التي حصدها الفيلم منذ الكشف عن اسمه.
المخرج الراحل مصطفى العقاد
انسحابات متتالية
ونتيجة الرفض السعودي، انسحبت “الكويت” دون سحب تمويلها نظراً لأحد بنود العقد التي فرضت بحالة الانسحاب. الإبقاء على الحصة بالتمويل بالمصرف السويسري.
وتم التوجه إلى المغرب للبدء بتصويره، حيث كان “الملك الحسن” داعماً لـ”العقاد” وفيلمه، ولكن حصل مالم يكن بالحسبان. إذ بعد 6 أشهر قام باستدعائه وطلب منه التوقف عن التصوير.
وقال “مصطفى العقاد” خلال حديثه عن فيلم الرسالة أنه اكتشف لاحقاً أن السبب هو الملك السعودي “فيصل”، الذي ضغط على المغرب لإيقافه. وتهديده بعدم حضوره القمة العربية المزمع عقدها في “الرباط” عام 1974.
لم يبقَ أمام أسرة الفيلم سوى “ليبيا” وتم طلب لقاء مع “القذافي” ومجلس قيادة الثورة” الذين منحوهم موعداً بعد 3 أيام. وأخذوا معهم عدة مقاطع مصورة لعرضها عليهم، وشرح لهم المخرج مصطفى العقاد قصة فيلم “الرسالة”.
القذافي داعم كبير لهم
خلال إحدى اللقطات التي قاموا بعرضها على القذافي خلال الاجتماع، ظهر مشهد المسلمين عندما كان المشركون يرجمونهم بالحجارة. وخلال قولهم “الله” بدأ الرئيس الليبي يرددها معهم.
ما أعاد لـ “العقاد” الثقفة بإمكانية قبوله له، وأخبره عن سبب المشكلة والحملة الدعائية، وطلب منه “القذافي” أن يحدد ما هي المشاكل التي تعترض إتمامه.
وحلّ له أولها وهي الميزانية، فرغم وجودها إلا أنه احتاج للمزيد نتيجة إجباره على إعادة بناء الكواليس من جديد. نتيجة انتقاله إلى “ليبيا” ليأمر بمنحه المقدار الذي يحتاج من مال.
وبالنسبة لجموع الناس الواجب حضورهم في الفيلم، أمر “القذافي” بانضمام القوات المسلحة لأسرة “الرسالة”. وأخبره “العقاد” أنه يحتاج أعمار أكبر، فطلب من المقاومة الشعبية أن تكون معهم.
كان الفنيون الحاضرون في فيلم “الرسالة” لـ”مصطفى العقاد” من “هوليود”، ممن اعتادوا على شرب الخمر أثناء عملهم. تلك المشكلة الثالثة التي طرحها على “القذافي” الذي استغرق قرابة دقيقتين ليجد لها حلاً.
وما كان من الرئيس الليبي إلا أن وافق ولكن بشريطة أن يتناولوه ضمن مخيم مغلق خاص بهم، وليس أمام العامة. ملبياً رغبة “العقاد” المحتاج لعطائهم الفني وهم بكامل طاقاتهم.
بعد ضغط الملك السعودي على الملك المغربي وطلبه إيقاف التصوير.. قام الرئيس الليبي معمر القذافي بتقديم كل التسهيلات اللازمة لإتمامه.
المخرج الراحل مصطفى العقاد
منع بعد الانتهاء
«سائر الدول العربية منعت عرضه» يواصل المخرج الراحل حديثه، ليكون العرض الأول في “لندن” وقوبل برفض كبير. من قبل الإسلاميين الموجودين فيها من الهنود منهم والباكستانين وغيرهم.
وبعد عدة محاولات أخبرهم “العقاد” بوجوب حضوره وأن لم ينَل إعجابهم فسيقوم بحرقه، وفعلاً تم الأمر وعُرض في إحدى الصالات. بحضورهم جميعاً.
ونال “العقاد” حينها أول أثر مباشر على الفيلم، من خلال ما حصل بعد المشهد الأخير الذي ظهر المسلمون. من كل أرجاء العالم وهم يركعون للصلاة، ليقوم الموجودن بالصالة بالوقوف أمام الشاشة والصلاة معهم.
تغيير الاسم إلى الرسالة
وحين انتهى الفيلم أقبل الحضور إلى “العقاد” وقبلوه وقسم آخر جاءه يبكي، وطلب منه تغيير الاسم. كونه سيتم لصق إعلانه في أماكن لا تلائم الهدف منه كالبارات. وعليه قرر “العقاد” أن يصبح اسمه “الرسالة”.
وبعدها بدأت الدول تعرض الفيلم بشكل تدريجي باستثناء “إيران”، لكن بعد انقلاب “الخميني” سمح بعرضه لاحقاً.
يذكر أن فيلم الرسالة تم عرضه بنسختين العربية والانكليزية عام 1977، وتم ترشيحه ضمن جوائز الأوسكار عن فئة أفضل موسيقى تصويرية أصلية.
يذكر أن فيلم “الرسالة” خرج إلى الجمهور في آذار عام 1976 بنسختين واحدة بالعربية وأخرى بالإنجليزية. العربية من بطولة “عبد الله غيث” في دور “حمزة بن عبد المطلب” أما الإنجليزية من بطولة “أنطوني كوين” بنفس الدور. البطولة النسائية الممثلة السورية “منى واصف” في دور “هند بنت عتبة”، وأدت الممثلة العالمية “أيرين باباس” الدور نفسه في النسخة العالمية.