انضوتْ سوريا والأردن، قبل أن تُعرف بشكلهما الحديث، ضمن حدود المملكة السورية التي قامت عام 1920. تحت حكم الملك فيصل بن الحسين. وضمّت سوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين. إلّا أنّ هذا التوحد لم يَدم طويلاً، و انتهى مع تقاسم النفوذ في المنطقة بين “فرنسا” و”بريطانيا” من خلال اتفاقية “سايكس بيكو”.
سناك سوري _ حلا منصور
حَكمتْ الجغرافيا المُتلاصقة التي عَشّشتْ فيها السياسة والاصطفافات المختلفة تاريخَ العلاقات السوريّة الأردنيّة عبر السنين إلى جانب المصالح المشتركة للشعبين التي تقاطعت فيها العلاقات العائلية والاجتماعية والاقتصادية.
تاريخ الارتباط بين دمشق وعمان
انضوت سوريا والأردن، قبل أن تُعرف بشكلهما الحديث، ضمن حدود المملكة السورية التي قامت عام 1920. تحت حكم الملك فيصل بن الحسين. وضمّت سوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين. إلّا أنّ هذا التوحد لم يدم طويلاً، و انتهى مع تقاسم النفوذ في المنطقة بين “فرنسا” و”بريطانيا” من خلال اتفاقية “سايكس بيكو”.
وفي عام 1932، رُسمتْ الحدود بين البلدين، والتي بدأت من نقطة تقع إلى الجنوب من بحيرة طبريا، وتنتهي بنقطة قريبة من جبل طنف في الصحراء السورية. وهي النقطة التي تلتقي فيها الحدود الأردنية السورية العراقية.
تاريخياً، وفي سهل حوران الذي تضمُّ أراضيه، جنوب سوريا الحالية وشمال الأردن. انشطرت العشائر والعائلات بين مدينتي درعا السورية والرمثا الأردنية. وتشاركت وتوارثت أسماءً وألقاباً. مثل آل الرفاعي وآل الزعبي والشرع والسرحان والشريدة وغيرها. حتى أن رئيس الوزراء الأردني السابق “عمر الرزاز” ينحدر من أصول سوريّة.
اقتصادياً، لعبت الجغرافيا دورها في جعل كل من البلدين بحاجة للآخر، وشكّلت اقتصاداً مُركّباً يمزجُ الزراعة وتربية الماشية والتجارة على أنواعها، بما فيها التهريب.
تاريخ العلاقات السياسية بين البلدين
تفاوتت وتيرة العلاقات السياسية بين البلدين بحسب تغيرات الأوضاع. فمع نيل “سوريا” و”الأردن” استقلالهما في عام 1946. والإعلان عن قيام المملكة الأردنية الهاشمية وتنصيب الملك” عبد الله الأول“ الذي كان داعماً للثورة السورية في مرحلة الانتداب الفرنسي، سادت علاقات جيّدة بين البلدين.
ومع اغتيال الملك “عبد الله” عام 1951، وإسقاط حكم “الملك فاروق” في “مصر” بدأت الخلافات تدبُّ بين البلدين، خصوصاً مع بدء التقارب السوري مع “مصر” التي كانت على خلاف مع “الأردن”.
قامت الوحدة السورية المصرية تحت اسم ”الجمهوريّة العربية المتحدة“ عام 1958. لتردّ عمّان بتشكيل ”الاتحاد العربي“ بين الأردن والعراق في العام نفسه. وفيما كان الأردن يعدّ ملاذاً لرافضي الوحدة السورية المصرية، فقد خاضت الجمهورية العربية المتحدة حرباً إعلاميّة وسياسيّة ضد الأردن الذي اعتبر أن هذه الوحدة موجهّة ضدّه.
قامت الوحدة السورية المصرية تحت اسم ”الجمهوريّة العربية المتحدة“ عام 1958. لتردّ عمّان بتشكيل ”الاتحاد العربي“ بين الأردن والعراق في العام نفسه. وفيما كان الأردن يعدّ ملاذاً لرافضي الوحدة السورية المصرية، فقد خاضت الجمهورية العربية المتحدة حرباً إعلاميّة وسياسيّة ضد الأردن الذي اعتبر أن هذه الوحدة موجهّة ضده.
ومع الانفصال عام 1961، وتسلّم قيادات جديدة لزمام الحكم في سوريا، سادت علاقات جيّدة بين البلدين. إلّا أنّها لم تدم طويلاً. حيث بدأت مرحلة جديدة من الخلافات، بعدما لاحَ في الأفق بوادر تحرك فدائي فلسطيني، رحّبت سوريا به ودعمت قيادته التي كانت آنذاك مكونة من حركة فتح، لتبدأ ثورةً فلسطينية مسلحة عام 1965، مُتخذةً من الأردن مركزاً لعملياتها.
التحركات الفلسطينية لم تكن مريحة للملك “حسين” لا سيما مع انضمام فصائل جديدة إلى حركة “فتح” تحت اسم منظمة التحرير الفلسطينية. والتي باتت تتمتع بنفوذ واسع في “الأردن” يهدد عرش الملك حتى ما دفعه لمهاجمة القواعد الفلسطينية عام 1970 فيما صار يعرف باسم ”أيلول الأسود“. الذي شهد مواجهات مسلحة بين القوات الأردنية والفصائل الفلسطينية شاركت خلالها قوات سوريّة لكنها سرعان ما انسحبت من المواجهات التي أفضت في النهاية لخروج عناصر الفصائل الفلسطينية من “الأردن”.
ومع وصول الرئيس الراحل “حافظ الأسد” بدأ حكمه بإصلاح العلاقات التي قطعها سابقوه مع الدول العربية لا سيما “الأردن” ما أدى لتحسن ملحوظ في طبيعة العلاقة بين البلدين الجارين. إلا أنها سريعاً ما انتكست من جديد.
حوادث الإخوان!
وجّهت “سوريا” اتهامات واضحة لـ”الأردن” بدعم حركة الإخوان المسلمين التي خاضت مواجهات مسلحة مع الجيش السوري.
واعتبرت “دمشق” أن “عمّان” تقدّم لـ”الإخوان” دعماً مالياً وأمنياً بالتنسيق مع الرئيس العراقي “صدام حسين” وهو ما يهدّد الأمن القومي والوطني السوري.
وجّهت “سوريا” اتهامات واضحة لـ”الأردن” بدعم حركة الأخوان المسلمين التي خاضت مواجهات مسلحة مع الجيش السوري. واعتبرت “دمشق” أن “عمّان” تقدّم لـ”الإخوان” دعماً مالياً وأمنياً بالتنسيق مع الرئيس العراقي “صدام حسين”
تطوّر الوضع ليحشد الجيش السوري قواته على الحدود مع الأردن مهدداً بعمليّة عسكرية إن لم تسلّم الأردن قيادات الإخوان الذين تؤمن لهم الحماية. إلّا أنّ وساطة سعودية تمّت، أدّت لتراجع الجيش السوري بعدما لاقت الوساطة قبولاً سوريّاً.
وحتى عام 1994 شهدت العلاقات السورية الأردنية تحسّناً تجلّى في توقيع عدد من الاتفاقيات والمعاهدات أبرزها إنشاء محطة صناعيّة سوريّة أردنيّة حرة بالقرب من الحدود بين البلدين.
اتفاقية وادي عربة
بعد فشل مسار مؤتمر مدريد للسلام، الذي عُقد عام 1991َ بين الدول العربية المعنيّة “سوريا ولبنان والأردن ومصر وفلسطين” وإسرائيل برعاية أمريكية.
وقعّ “الأردن” سلاماً منفرداً مع “إسرائيل” عبر اتفاقيّة ”وادي عربة“ عام 1994. الأمر الذي رأته “دمشق” خطيراً وزاد من هواجسها تجاه البلد الجار لا سيما وأن الرؤية السورية لعملية السلام تصرّ على أن مفاوضاتها يجب أن تكون جماعية في وجه الاحتلال وعدم منحه فرصة التفرّد بكل دولة على حدة.
عقدٌ ذهبيّ للعلاقات!
عاشت العلاقات السورية الأردنية، منذ عام ال 2000 وحتى 2011، فترة من الانتعاش والتوافق، تمثّلت بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين، تنصّ على تقديم تسهيلات على حركة السفر والتنقّل لمواطني البلدين. عبر إلغاء ضريبة المغادرة والرسوم المفروضة على حركة المسافرين، إضافة للمركبات والشاحنات والحافلات. فيما سجّل الأردن تبادلاً تجارياً بينه وبين دمشق عام 2010، بنحو 615 مليون دولار.
ولطالما اعتبرَت الحدود بين سوريا والأردن مُتنفّساً بالنسبة للشعبين، فيما كانت حركة أعداد الوافدين من الأردن تزداد نهاية كل أسبوع، لزيارة الأقارب وشراء البضائع السوريّة ذات الجودة العالية والأسعار المنخفضة، كما يعتبرها الأردنيون. فضلاً عن الطلاب الأردنيين الذين كانوا يقصدون الجامعات السورية للدراسة فيها.
عاشت العلاقات السورية الأردنية، منذ عام ال 2000 وحتى 2011، فترة من الانتعاش والتوافق، تمثّلت بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين، تنصّ على تقديم تسهيلات على حركة السفر والتنقّل لمواطني البلدين.
الحرب في سوريا
مع اشتعال الحرب في سوريا، صوّتَ الأردن على إلغاء عضوية سوريا في الجامعة العربية، ووقف إلى جانب المعارضة السورية، معترفاً ب ”الائتلاف السوري المعارض“. مقدّماً أراضيه مركزاً لغرفة عمليات ”الموك“ التي ضمّت استخبارات دول عديدة بإشراف أمريكي، للقيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية. وكان الموقف الأردني واضحاً تجاه الحكومة السورية.
ويعزو مقربون من الحكومة السورية سبب موقف الأردن من الصراع في سوريا للتدخلات الدولية. وتتهم أوساط الحكومة في دمشق بأن القيادة الأردنية خضعت للضغوطات الأميركية الراغبة في تغيير السلطة في سوريا. وترى المصادر الذي تحدّث معها سناك سوري أن هذا الموقف لم يكن في مصلحة الأردن ولا الشعب الأردني ولا المنطقة.
ماذا خسر البلدان؟
أدركت “عمّان” بعد سنوات من القطيعة مع الحكومة السورية أنّ الخصومة مع الجيران ستنتهي بمعادلة خاسر – خاسر. فما يجمع البلدين من مصالح اقتصادية وأمنية، ومدى تأثير استقرار كل بلد على الآخر، أمرٌ اختبرته عمّان.وخسرت على إثره اقتصادياً من إغلاق الحدود مع جارتها الشمالية ما يقدّر بنحو 20 مليار دولار، حسب خبراء اقتصاديين.
أمّا على الجانب السوري فقد تسبّب إغلاق معبر نصيب على الحدود الأردنية. بخسائر مادية كبيرة على تصدير المنتج السوري إلى الأردن ودول الخليج برّاً، وأصبح محصوراً بالبحر والجو، الأمر الذي رتب تكاليف أكبر من ناحية الوقت والمال.
أمنياً لم تقطع عمان اتصالاتها مع دمشق، حتّى في أيام الحرب، وإن بقيت بحدودها الدُنيا. إلا أن الفوضى التي سببتها الحرب على الحدود، شكّلت بالنسبة لعمّان تهديداً لأمنها القومي، بسبب تدفّق كميات كبيرة من المخدرات، أغرقت السوق الأردنية وشكّلت للأردن مشكلة خطيرة طالب بالتعامل معها بجدّية.
أدركت “عمّان” بعد سنوات من القطيعة مع الحكومة السورية أنّ الخصومة مع الجيران ستنتهي بمعادلة خاسر – خاسر. فما يجمع البلدين من مصالح اقتصادية وأمنية، ومدى تأثير استقرار كل بلد على الآخر، أمرٌ اختبرته عمّان.و خسرت على إثره اقتصادياً.
ملف المخدرات كان حاضراً في اجتماع “عمّان التشاوري” الذي جمع وزير الخارجية السوري “فيصل المقداد” بنظرائه من “الأردن” و”مصر” و”السعودية” و”العراق”. حيث اتفق المجتمعون على تشكيل فريقَي عمل أحدهما سياسي والآخر أمني لمتابعة ملف تهريب المخدرات من “سوريا” إلى “الأردن” ودول الخليج.
بداية التقارب السياسي
بدأت الاستدارة الأردنية نحو دمشق مع سيطرة الجيش السوري على مساحات واسعة من البلاد عام 2017، وإعادة افتتاح معبر نصيب جابر الذي يُمثّلُ بوابة الأردن إلى أوروبا وتركيا ولبنان. وبوابة سوريا إلى دول الخليج العربي.
إضافةً لانعقاد اتفاقية تمرير الطاقة إلى لبنان عبر سوريا، في اجتماع وزاري عُقدَ في عمّان، ضمّ الوزراء المعنيين بشؤون الكهرباء في كل من الأردن وسوريا ولبنان. وذلك بعد ضوء أخضر أمريكي حصل عليه الملك الأردني ”عبد الله الثاني“ بعد زيارته للرئيس الأمريكي ”جو بايدن“.
مسار العلاقات التصاعدي بين البلدين.مرَّ بسلسلة من اللقاءات بين وزراء البلدين، ورفع التمثيل الدبلوماسي. تُوّج باتصال هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في سوريا، بين الرئيس “بشار الأسد” و الملك الأردني “عبد الله الثاني” عام 2021، أكّد خلاله العاهل الأردني على دعم بلاده لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها.
فيما قالت دمشق أنَّ الاتصال تناولَ العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.
الدور الأردني في استعادة العلاقات مع “سوريا” بدا فاعلاً حيث ظهر “الأردن” كمحفز رئيسي للتواصل بين العرب و”دمشق” واستضاف الاجتماع التشاوري حول “سوريا” الذي كان آخر بوابة قبل استعادة “دمشق” مقعدها في الجامعة العربية.
في حين أجرى وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” زيارتين خلال هذا العام إلى العاصمة السورية. والتقى في زيارته الثانية مطلع تموز الجاري الرئيس “الأسد” حيث بحث معه ملف اللاجئين وعلاقات البلدين.
فيما ساد فتور في علاقات البلدين في الآونة الأخيرة. إلى أن ارتفعتْ النبرة الأردنية الرسمية تجاه سوريا في الأيام الأخيرة. حيث شكّك العاهل الأردني عبد الله الثاني خلال كلمته في قمّة الشرق الأوسط العالمية في نيويورك، بسيطرة الحكومة السورية وقدرتها على ضبط حدودها مع جارتها الجنوبية. مُضيفاً أن الأردن لم يعد يحتمل مزيداً من اللاجئين السوريين، مُعرباً عن تخوفه من أن تؤدي الاحتجاجات التي تشهدها مدينة السويداء منذ أسابيع لتدفق مزيد من اللاجئين إلى بلاده في ظل نقص الموارد في التمويل الدولي.
في حين رمى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الكرة في ملعب الحكومة السورية. قائلاً أن الأردن ينتظر رد دمشق على الأوراق والمقترحات التي قدمتها بلاده. مُشدداً على أنّ الأردن لن يتوقف عن القيام بما يلزم لحماية أمنه واستقراره.
التصعيد الأردني الأخير يأتي مع عدم ظهور نتائج المبادرة العربية لحل الملف السوري والذي لطالما كان الأردن جزءاً محفزاً لها. وأيضاً بالتزامن مع تصعيد جديد جنوب سوريا تقوده أميركا التي تدخل بمظاهرات السويداء الاحتجاجية عبر اتصالات هاتفية يجريها مسؤولون أميركيون وغربيون.
هذا الواقع والمتغيرات المستمرة في العلاقة بين سوريا والأردن تجعل مصيرها وفق مايراه مراقبون تحدث معهم سناك سوري مرتبطاً بـ 3 عوامل رئيسية. ملف اللاجئين السوريين في الأردن الذين تريد عمان إعادتهم إلى سوريا ويقدر عددهم بأقل من مليون لاجئ. وملف المخدرات الذي يُعدّ الشغل الشاغل للحكومة الأردنية وموضوع حديث مختلف الاجتماعات المشتركة. إلى جانب التدخلات الخارجية وعلى رأسها الأميركية التي تؤثر بموقف السلطات الأردنية من نظيرتها السورية وتُعطّل في كثير من الأحيان التقارب بين البلدين الجارين المحكومين بالجغرافيا والمصلحة المشتركة.
وبالتالي فإن الصلح الذي جرى مؤخراً بين البلدين يبقى مُهدداً بالملفات العالقة والتشابكات الدولية والعوامل الخارجية.