تجارب مدن واجهت الزلازل… كيف تعاملت الدول مع الكارثة وما بعدها؟
زلزال أرمينيا دمرّ مدناً كاملة .. واليابان غيّرت خططها لبناء المدن
شكل الزلزال الذي ضرب سوريا في 6 شباط صدمة كبيرة للمواطنين ولأجهزة الدولة والمجتمع المعنية بالتعامل مع مرحلة مابعد الكارثة. لذلك فإنه من الضروري للفاعلين في هذه العملية الاطلاع على تجارب الدول الأخرى التي يواجهن كوارث مشابهة.
سناك سوري – دمشق
ولعل زلزال أرمينيا في عام 1988 من أبرز التجارب القريبة حيث بلغت قوته 6.9 درجات. وتسبب بوفاة مايزيد عن 25 ألف شخص إنسان وتشريد حوالي نصف مليون .
تعرضت عدة مدن حينها لدمار كامل تقريباً منها “سبيتاك”، “لينيناكان”، و”كيروفاكان” مع عدد من القرى الصغيرة، ماتسبب بتدمير نحو 5100 مبنى. وقدرت الخسائر المادية بما يقارب 3.5مليار دولار.
و يعود سبب انهيار هذا العدد الكبير من المباني، وفق ما أعلن خبراء هندسة الزلازل بعد فحصها، إلى الخلل الحاصل أثناء تشييدها، في فترة الركود التي مرت بها جمهوريات الاتحاد السوفييتي.
لذلك كان هذا التقييم لخبراء الهندسة في مقدمة الأمور الذي تم لحظها في مرحلة إعادة البناء، سواء لناحية المواد المستخدمة أو لناحية وضع حدود لارتفاعاتها. بما يضمن عدم تكرار نفس الثغرات التي تسببت بهذا الكم من الضحايا.
اقرأ أيضاً:تحرك أوروبي لمساعدة سوريا.. والأمم المتحدة تقدّر نازحي الزلزال ب 5.3 مليون
بدء عمليات الإنقاذ والمساعدات الدولية بعد أيام قليلة.
بدايةً باشر سكان المدن بعمليات الإنقاذ بما هو متوفر لديهم لانتشال الأحياء من تحت الأنقاض. وتم العمل على وضع الحساسيات السياسية جانباً في التعامل مع الكارثة.حيث قام زعيم الاتحاد السوفييتي “ميخائيل جورباتشوف” بطلب تأمين المساعدات الإنسانية اللازمة لشعبه. فأرمينيا حينها كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي قبل أن ينهار.
حصلت أرمينيا على استجابة سريعة خلال أيام مما يقارب 113 دولة من بينها “الولايات المتحدة “، “فرنسا”، “ايطاليا”، “اليابان”، “بلجيكا”. “سويسرا”، “جنوب أفريقيا”، “السويد” و”النرويج”.
ووصلت كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية على شكل معدات إنقاذ وفرق بحث وإمدادات طبية. ولعبت المنظمات غير الحكومية دوراً في تقديم المساعدات، وبنقل الإمدادات لهم.
اقرأ أيضاً:تجنباً للفوضى.. اقتراحات لتنظيم آلية العمل الإغاثي بعد كارثة الزلزال
إيلاء الأولية للصحة النفسية
ما إن فتح الاتحاد السوفييتي حدوده، حتى دخلت المنظمات الدولية للعمل على مساعدة المتضررين. وقد تم إيلاء الجانب النفسي أهمية كبرى في التعامل مع مرحلة مابعد الكارثة.موقع سناك سوري.
حيث عملت المنظمات الطبية مع وزارة الصحة على معالجة التأثير النفسي خاصة للأطفال الذين فقدوا ذويهم. وتم إطلاق أول مشروع للرعاية الصحية النفسية، قدمت من خلاله استشارات جماعية وعائلية لأكثر من عامين بعد الكارثة.
يأتي ذلك بالطبع إلى جانب الجانب الصحي المتعلق بعلاج الإصابات والجراح والتعامل مع الضرر الجسدي المباشر.
اقرأ ايضاً:الشمال السوري.. توافد الجثامين وغياب المساعدات وسط خذلان دولي
التجربة اليابانية مع الزلازل.
صحيح أنها اليابان لكنها أيضاً تعرضت لزلزال مدمر أيضاً ، كان زلزال اليابان بقوة 9درجات، ونجم عنه موجات تسونامي. تسببت بخسائر جسيمة حيث قد بلغ عدد الوفيات مايقارب 28500 شخص.
وتسبب بأضرار مادية كبيرة، وضرب اقتصاد البلاد، وسجل من بين الأضرار تدمير المطار الياباني “سنداي”، وعدد من المحطات النفطية ومحطة “فوكوشيما دايتشي” للطاقة النووية، وقدرت الخسائر بنحو 199 مليار دولار.
وما إن مضت ساعات على وقوع الزلزال، حتى تم حشد أعداد كبيرة من عمال الإنقاذ. وحوالي 100 ألف فرد من قوات الدفاع الذاتي اليابانية للتعامل مع الكارثة.موقع سناك سوري.
أتت المساعدة لليابان فوراً من عدة دول منها “استراليا”، “الهند”، “كوريا الجنوبية”، “الصين” و”أمريكا” مع فرق بحث وإنقاذ. وقدم العديد من منظمات الإغاثة الدولية مثل “الصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر” الدعم المادي. مع إنشاء صناديق إغاثة لمساعدة الضحايا داخل “اليابان” وجميع أنحاء العالم.
اقرأ ايضاً:هل من المفيد أن نمنع الحديث عن الزلزال أمام أطفالنا؟
وضعت اليابان في خطة الاستجابة أولويات رئيسية أبرزها استعادة الخدمات الرئيسية وحركة النقل وإعادة البنى التحتية. وخلال أسابيع تمت استعادة نسبة من البنى التحتية والخدمات في شمال “هونشو”. واستمرت الإصلاحات حتى أصبحت خطوط القطارات والطرق السريعة الرئيسية تعمل مرة أخرى بشكل كامل.
قامت اليابان بإعفاء المتضررين من الضرائب والرسوم وتخفيف القيود المفروضة على استخدام الأراضي. وتعاملت بشفافية تدريجية مع الأهالي لناحية شرح ماحدث وتقييمه.موقع سناك سوري.
إعادة الإعمار ما بعد الزلزال
تم التخطيط لإعادة الإعمار وفق آلية تضمن عدم تكرار مثل تلك الخسائر. كاقتراح وضع المدن بعيداً عن الخطر وفي أماكن مرتفعة. وإزالة المعوقات الإدارية لسرعة تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار التي تعكس رغبات كل منطقة.
وتم التأكيد والتوجه على السعي الحكومي، لاتباع خطط إعمار مختلفة، والبدء بمشاريع إعادة بناء المدن بطريقة مقاومة للكوارث. وأكثر كفاءة لمكافحة الزلازل،
وفقًا لدراسة أجرتها جامعة طوكيو ، تم تشييد 87٪ من مباني المدينة وفقًا لمعايير مكافحة الزلازل الحديثة. وكمثال برج”طوكيو سكاي تري”. وتم افتتاح هذا البرج الذي يبلغ ارتفاعه 2080 قدمًا بعد عام واحد من الزلزال. وبالنسبة لناطحات السحاب، تم تجهيزها ببندول خاص بوزن 300 طن، قادر على تخفيف الاهتزازات، مما يساعد المبنى على التأرجح في حالة حدوث زلزال.
ولم تقف المساعي لإيجاد الحلول على وجه الأرض بل دخلوا إلى الأعماق مابين المباني والحدائق، وتم حفر نفق فيه قناة تفريغ للعاصمة. يزيد طوله عن 6كم، تم تصميمه للتعامل مع الفيضانات، وتوجيه مياهه إلى نهر “إيدو”. ليكون الأكثر ضماناً لحماية المدن.
ونظراً لأن “اليابان” سبق وأن تعرضت لأكثر من زلزال، كانت قد أقامت نظام زلزالي يكتشف الزلزال قبل 80 ثانية من وقوعه.
تجارب دول العالم في التعامل مع الكوارث قد تكون مصدر فائدة لسوريا التي تعرضت لهذه الكارثة للمرة الأولى في تاريخها الحديث. إضافة لأهمية الاستفادة من تلك التجارب في مرحلة إعادة بناء المناطق المدمرة والعمل على تشييد أبنية مقاومة للزلازل.