غسل الموتى مهمة الشجعان التي يهرب منها الرجال وتعلمتها أم إبراهيم
أقسى ما عاشته أم إبراهيم حين كانت تغسل جثثاً بلا رأس خلال الحرب
“لا يقتصر الموت على توقف نبضات القلب وتواري الروح، فمن يغسل الأموات ويقلب أجسادهم الباردة ويشتم رائحتها التي ليس لا مثيل في الحياة ولا قدرة لكائن على تحملها. يجابه الموت وجهاً مع أجساد هامدة لا نبض ولا روح فيها”، بصوت هادئ ناعم لا ينم عن طبيعة عملها تقول مُحدثتنا الخمسينية أم إبراهيم “مُغسلة الموتى”.
سناك سوري – صفاء صلال
منذ زهاء عقد ونيف، قادت الحياة “أم إبراهيم” للقائها الأول مع عالم الموتى، عندما قررت والدة زوجها المرحومة “أم غازي” تعليمها المهنة قبل وفاتها. التي عملت في المهنة لخمسة عقود، ويعرفها أبناء “دير الزور” جيداً.
تستذكر السيدة “رحاب” دقائقها الأولى عندما بدأت بوضع الماء على جسد إحدى الوفيات، حينها انتابتها مشاعر الرهبة والخوف. لكن سرعان ما تحولت تلك المشاعر إلى قوة حسب تعبيرها لـ”سناك سوري”.
تقول أم إبراهيم: «عملي كمغسلة موتى جعلني أقرب من الله وأعرف معنى الحياة أكثر، هو عمل رباني وليس انساني فحسب».
ترى “أم ابراهيم” أن النهاية السعيدة للإنسان هي الموت وكل نفس ذائقة الموت لا أحد سيخلّد منا، وتضيف أنها تسعى من عملها للأجر من الله قبل الأجرة.
اقرأ أيضاً: هل تعرفون شباك الأقفال في دمشق؟
“تجهيز الميت لرحلته الأخيرة هي مهنة الشجعان” تقول أم إبراهيم، وتضيف: «من يريد أن يمتهن غسل الأموات عليه أن يمتلك قلب جريء، فمهنتنا الرقم الصعب من بين المهن ويهابها الجميع».
تشير “رحاب” أنها تعلمت من مهنتها أن تهاب الأحياء وليس الموتى، وتقول إن من أقسى اللحظات التي عايشتها خلال الحرب، حين غسلت جثث لموتى بلا رأس وبلا أطراف وجثث مشوهة المعالم.
وتضيف: «من يعتقد أن رهبة الموت تموت مع الحرب خاطئ، على العكس تماماً تزيد الرهبة من الموت في أيام الحرب لأن الموت كان يمشي إلى جانبنا. فلا أحد يعرف فأي ساعة وأي مكان سيموت ربما بقذيفة أو رصاصة طائشة أو قهراً وحزناً وتعددت حالات الموت وهو واحد».
تلفت “أم ابراهيم” أن المجتمع ينظر بنظرة غريبة لمهنة غسل الموتى، «فهناك من يعتقد أننا قساة قلوب، هذه المهنة يتجنبها حتى الرجال، تضعك في مواجهة الموت، وتجعلك تفكر أنك مهماً على شأنك فنهايتك قبر تحت التراب وكفن تُلف به».
البعض حوّل تغسيل الموتى من عمل خيّر إلى تجارة، خاصة مكاتب دفن الموتى التي لا تحترم حرمة الميت فلهم أخطاء في الغسل والدفن، تقول “أم ابراهيم” وتنهي حديثها قائلة: «تغسيل الميت تكريم له».