21 عاماً على رحيل رئيس جمهورية الشعر بأغلبية الأصوات!
هل تعلم/ي أن البرلمان السوري اجتمع يوماً لمناقشة قصيدة؟
سناك سوري _محمد العمر
كان آخر يومٍ من نيسان 1998 مريراً على “دمشق” و المدن العربية ، حين جاء النبأ من العاصمة البريطانية “لندن” برحيل الشاعر السوري “نزار قباني”.
اجتمع في حب “قباني” العشاق و الثوريون و المقاومون و الشعراء و الدمشقيون و العرب فالرجل الذي صدق بوصف قصائده أنها «وحّدت العرب أكثر من جامعة الدول العربية» شكّل ظاهرة لا تتكرر في وجدان الشارع العربي .
ذلك الطفل الذي بقي حياً في نفَسِه الشعري كتب “خربشات طفولية” و حنيناً للبيت العربي في حي “مئذنة الشحم” و للشام القديمة و ظلّت صورة الوالد “توفيق قباني” يخبئ الملبس في يديه مكافأة لطفله و عيون الوالدة “فايزة” المتعلقة بصغيرها علامات واضحة على أثر الطفولة في نفس الشاعر الكبير .
كان “قباني” يعرفُ جيداً ماذا يفعل و إلى أين يسير فقناعته بكسر الكلام المعلّب و القوالب النمطية دفعته دوماً لتكون كل قصيدة من قصائده ثورةً بحد ذاتها ضد كل ما هو أسير التقاليد و التخلف و الجمود فهزّ المجتمع الدمشقي حين عنونَ أحد دواوينه باسم “طفولة نهد” خارجاً عن إطار كل من كتبوا قبله ليبدأ مسيرةً طويلة في الكتابة عن المرأة بنظرة تحارب مفاهيم الحرملك و اضطهاد النساء و النظرة الدونية للنساء حتى أن البعض يطلقون عليه لقب “شاعر المرأة” حتى اليوم و إن كانت المرحلة الثانية من حياته تشير إلى عدم دقة هذا اللقب .
معظم عشاق العالم العربي منذ أجيال استعملوا قصائد “قباني” لتبادل الغزل و التعبير عن الحب حيث تكفّلت قصائده الكثيرة بنطق ما يجول في أعماق العشاق بكل أحوالهم فقد أبدع “الرسم بالكلمات” ليجعل اللغة لوحة سحرية لها وصفة سرية من البساطة و القرب من الناس إلى جانب العمق و العبقرية في الوصف و الغزل حتى أن “قباني” يقول في إحدى مقابلاته أنه بعد أن تجاوز مرحلة البدايات في الشعر وصل إلى أن يكتب بالسهولة التي يتنفس بها فكان شعره سلساً قريباً من الناس بعيداً عن التكلف و التعقيد .
سرقتهُ السياسة من عوالم النساء و الغزل باكراً فقد كان لقصيدته “خبز و حشيش و قمر” نصيبٌ واسع من الجدل وصل إلى قاعة البرلمان حين ناقشها النواب و طالب بعضهم بمنعها إلا أنهم لم ينجحوا بتمرير قرار منعها .
اقرأ أيضاً :ذكرى رحيل السخرية.. الكوميديا السوداء في حياة “الماغوط”
ترك “قباني” العمل الديبلوماسي بعد أن تنقّل فيه بين “لندن” و “أنقرة” و “بيكين” و “مدريد” لأن أحد المسافرين من قرّائه توجّه إليه طالباً منه أن يترك هذه المهنة التي يستطيع أي موظف من العصر العثماني القيام بها و التفرغ للشعر فقد أصبح صوت الناس و عصفوراً يغني للحرية و الإنسان من المحيط إلى الخليج .
خسِرَ “قباني” زوجته العراقية “بلقيس الراوي” في حادثة تفجير السفارة العراقية في “بيروت” و كتب فيها قصيدة رثاء تجمع الغزل بالغضب و الحزن و السياسة فقد تركت تلك الحادثة أعمق أثرٍ في نفس الشاعر الذي أحبّ تلك المرأة التي ” كانت إذا تمشي ترافقها طواويسٌ و تتبعها أيائل! ”
أمضى “قباني” الأعوام الأخيرة من حياته في العاصمة البريطانية “لندن” و طغى الشعر السياسي على مؤلفاته حيث اعتبر “قباني” أن الجمهور العربي في تلك المرحلة لم يعد يناسبه شعر الغزل وسط الحروب و الانفجارات و الغليان السياسي الذي تمرّ به منطقته فكتب “قباني” طويلاً ضد الطغيان و الظلم و الاحتلال معبّراً عن الغضب المكبوت في قلب كل عربي من خلال قصائده التي لم يدفنها الزمن و النسيان .
شهِد “قباني” الحرب الأهلية اللبنانية و تعرّف إلى حجم الجنون و العنف في حروب البلد الواحد و في مسرحية وحيدة كتبها بعنوان “جمهورية جنونستان” استشرف واقع الجنون و العبث الذي تعيشه أي بلد حين يبدأ الاقتتال بين أبنائها و يطغى منطق السلاح على صوت العقل ليصوّر فيها مشاهداً عاشتها بلاده بعد نحو عقدين على رحيله !
الشاعر الذي بدأ أول شعره بديوان “قالت لي السمراء” بقي الشعر مرافقاً له حتى آخر لحظات حياته حيث كان يكتب القصائد على ورق الوصفات الطبية في المشفى فأنهى مسيرته الرائعة بديوان “أبجدية الياسمين” الذي كان آخر وصايا الغزل بدمشق !
اقرأ أيضاً :“نزار قباني”: عزيزي المسلح.. ﻗﺮﺭﻧﺎ ﺃﻧﺖ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﻄﻊ ﺫﺭﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻃﻦ