هل يولد الإنسان على فطرة الخير واللاعنف – ناجي سعيد
ما تأثير مبدأ "البقاء للأقوى" على الفطرة الإنسانية؟
جاء في الحديث الصحيح: “ما من مولود يولد إلا على الفطرة”. وقد شكّل هذا الحديث محور اهتمام الفيلسوف الأندلسي “ابن طُفيل”، الذي استقى روايته الفلسفية “حيّ بن يقظان” من الفكرة التي يعنيها هذا الحديث. والرواية المذكورة، تنتمي في الأصل إلى تراث ما قبل الحضارة الإسلاميّة، حيث اختفت قروناً طويلة لتعاود الظهور على يد الشيخ الرئيس ابن سينا للمرّة الأولى باللغة العربية.
سناك سوري-ناجي سعيد
ويبقى التساؤل: هل الفطرة التي يُولد عليها الإنسان هي الخير واللاعنف؟ وما علاقة البيئة التربويّة بهذه الفطرة؟ جديرٌ بالاهتمام أن نتناول المثل الذي تحوّل إلى قصّة خياليّة وأفلام سينمائية وما شابه! وأقصد بالطبع، قصّة “ماوكلي” فتى الأدغال، والذي تربّى في الغابة بين الحيوانات المتوحّشة، وقد افترض كلّ من تناول هذه القصّة بأنّ سلوك ربيب الغابة هذا هو سلوك مُتوحّش، تُحرّكه “غريزة البقاء”. وهذا صحيح علميّا، لكنّ هذه الغريزة لا أهمّية لها خارج الغابة وقانونها. فقد كانت مجرّد فكرة فلسفية لتختبر طبيعة الإنسان الخيّرة.
وبالعودة للفطرة، فالإشكالية لفهم معنى الحديث تكمن في: ما المقصود بـ”الفطرة”؟ وقد اقتنعت شخصيّا بعد أن قرأت في كتاب “نزع سلاح الآلهة” لفيلسوف اللاعنف الفرنسي “جان ماري مولر” بأنّ طبيعة البشر خيّرة، بالطبع هذا صحيح، ولكنّ باعتقادي أنّ عواملَ عدّة تتدخّل لتغيّر طبيعتهم. فالفطرة هي خيّرة عند ولادة الشخص، لكن هل باستطاعة أحد أن يُبقي هذه الفطرة كما هي؟ وما أسباب ونتائج تدخّل البيئة التربوية، كالأهل والمدرسة..؟.
اقرأ أيضاً: العين مش بالعين وإلا العالم سيصبح أعمى – ناجي سعيد
إن ما يحوّل طبيعة البشر إلى العنف، بعيدا عن الخير والطيبة، يمكن حصره في المقولة الميكيافيلية: الغاية تُبرّر الوسيلة. ولو ذهبنا عميقاً، لأيقنّا أن المصلحة هي السبب. فمصلحة الفرد أو الجماعة، غايتُها تُبرّر وسيلتَها، وذلك استنادا إلى غريزة البقاء. فالذي يحرّك السلوك الفردي والجماعي هو المصلحة. وقد قدّم علم التواصل اللاعنفي الحلول لهذا السلوك العنفي. حيث تمّ دراسة وتحليل الطبيعة البشرية، وأوضح علم التواصل اللاعنفي المساحة المشتركة -التي تجمع الناس على اختلاف مشاربهم.
لو رسمنا مُثلّثين، فإن التقاء قاعدتي هذين المُثلّثين هي الحاجات المشتركة الإنسانية ( بحسب هرم ماسلو)، ولو ارتفعنا إلى وسط المثلّثين لميّزنا بين مصلحتين مختلفتين. وفي رأس المثلّثين يبتعد الطرفان بموقفين مختلفين، لا يلتقيان أبدا، لتشتعل نار النزاع، فتتحوّل هذه المواقف المختلفة إلى عنفٍ يضرب أساس طبيعة البشر الخيّرة. وذلك بحسب فلاسفة اللاعنف، وأنا أراهم مُحقّين، فهناك أمثلة كثيرة على طيبة البشر نراها في التعاطف والتضامن وخاصّةً عند الأزمات.
والخلاصة بأن ما يشوّه الطبيعة الفطريّة للبشر هو العوامل الخارجية أو الظرفيّة، كالأنظمة السياسيّة والدينية والمجتمعية، تحت هاجس “البقاء للأقوى”! ولأنّ هذه العوامل خارجيّة، فمن الطبيعي أن تفرض تغييرًا على الطبيعة البشريّة الخيّرة، وهذا ما يجعلني أستنتج بأنّ العنف ليس من طبيعة البشر. فالفطرة التي يُولد عليها الإنسان – كما ذكرت الأديان السماويّة والفلسفات الإنسانية- هي فطرة خير ومحبّة. وفي ظلّ الظروف الصعبة التي تُدمّر تدريجيّا طبيعة الخير.
أدعو كلّ إنسان أن يمارس حقّه البشري في البقاء دون إلغاء وجود غيره. فخير البشرية الفطري يتّسع لكل البشر، دون استثناء. المحبّة تفقد قيمتها ومعناها حين تستثني أحدًا.
اقرأ أيضاً: اللحمات إلك والعضمات إلنا.. التربية بالضرب – ناجي سعيد