من حقيقة فهد سيغاتا إلى أسطورة عاصي الزند .. لماذا قد يهان الإنسان؟
أبو علي شاهين الوجه الحقيقي للفلاح المتمرد كم يشبه ذئب العاصي؟
يتناول مسلسل “الزند” حكاية فلاح يتمرّد على ظلم الإقطاع في إحدى قرى نهر “العاصي” إبان فترة الاحتلال العثماني للبلاد.
سناك سوري _ دمشق
ومنذ حلقاته الأولى. حصد المسلسل إعجاباً واسعاً من المتابعين بعد أن تضافرت عدة عوامل لترسيخ نجاحه. من أداء الممثلين وحسن اختيارهم وإتقانهم للهجة المحلية للمنطقة والتي لعبت دوراً في منح العمل نكهة مميزة. إضافة إلى الإخراج المتقن لـ”سامر برقاوي”.
لكن الجوهر الأساسي الذي ينطلق منه أي عمل درامي هو نصّه. الذي يجسّد نقطة البداية لخلق العمل بصورته النهائية التي يتلقاها الجمهور. والنصّ في حالة “الزند” من تأليف “عمر أبو سعدة”.
حكاية “الزند” سرعان ما نالت مكانة قريبة من قلوب المتابعين السوريين. وذلك لشعورهم أنها تشبههم في شيء. أو بالأحرى تشبه تلك الحكايا التي تناقلوها في القرى عن جيل الأجداد فتحوّلت إلى موروث شعبي لا ينسى.
“عاصي الزند” بكامل الإطار الدرامي لرواية المسلسل. لم يأتِ من الخيال البحت بل يبدو أقرب ما يكون لشخص حقيقي مرّ في تاريخ تلك المنطقة. وهو الأمر الذي دفع كثيرين لاستذكار قصة حقيقية تشبه في مسارها قصة “عاصي”.
إنها قصة “أبو علي شاهين”. المزارع البسيط الذي كان يعيش في قرية “سيغاتا” بريف “مصياف”. في أواخر أربعينيات القرن الماضي. لا سيما بعد استقلال “سوريا” عن الاستعمار الفرنسي.
اقرأ أيضاً:الزند يتصدر وسائل التواصل الاجتماعي وينتزع إعجاب الجمهور منذ الحلقة الأولى
وقد تعرّض “أبو علي” لظلم وجور الإقطاعي “البيك” الذي فرض على الفلاحين دفع حصص من محاصيلهم له. لكن “شاهين” لم يتمكن في إحدى سنوات الجفاف من الدفع فتعرّض لإهانة دفعته لضرب الحارس الذي أرسله “البيك”. ما دفع الأخير لاستعمال نفوذه لدى الشرطة. فقاموا باعتقال “أبو علي” وضربه بوحشية وإهانته بعنف. أدى به إلى التحول لثائر متمرد يسكن الجبال ويستهدف رجال الشرطة الذين يلاحقونه. وقد أمضى شهوراً طويلةً من الوحدة والوحشة والتعب والبرد في الجبال والبراري. قبل أن يوقع به خاله ويسلّمه للشرطة التي قامت بإعدامه في ساحة “الشيخ ضاهر” في “اللاذقية”. وفق ما ذكر الروائي السوري “حيدر حيدر” في روايته “الفهد” التي توثّق حكاية “أبو علي” حامل لقب “الفهد” لكثرة ما وثب ونجا في معاركه مع ملاحقيه. علماً أن الرواية تحولت لاحقاً لواحد من أحد أهم الأفلام السينمائية السورية.
“فهد سيغاتا” هو الوجه الواقعي لـ”عاصي الزند” المتخيَّل. لكن “أبو علي” كان يواجه الإقطاع و”الشرطة الوطنية” كما يسمّيها “حيدر”. في حين يجد “عاصي” نفسه أمام إقطاعي محليّ تحالف مع عسكرٍ محتل.
لقد أمضى “الفهد” شهورَ هربِه وحيداً. تخلّت عنه القرى وحمّلته مسؤولية ما آلت إليه أحوالها على يد الجند. كما أن “الفرارية” الذين انضموا إليه حيناً من الوقت. سرعان ما تعبوا من حياة البراري والهرب. فعادوا أدراجهم إلى منازلهم معلنين التوبة عن صحبته.
خسر “الفهد” طمأنينته كفلاح آمن في منزله. يعيش في منزله مع زوجته التي أحبها وطفله. لأن شعوره بالإهانة حين كانت مسامير أحذية الجند تشجّ رأسه فجّر فيه رغبة متوحشة بالانتصار لكرامته. على أن يدفع ثمن ذلك هرباً وتعباً وبرداً وجوعاً ونوماً غير مطمئن. فيما سأل نفسه مراراً لماذا يهان الإنسان؟ ولماذا كان عليه دفع الثمن الباهظ وحده بينما سكت الجميع؟.
استعادة حكاية “فهد سيغاتا” تبدو مناسبة للمقارنة مع “عاصي الزند”. الذي بدأ مسيرة تمرده مع إطلاق رجال “الباشا” النار على والده. وتابعها حين حاول “نورس باشا” سلبه أرضه التي ورثها عن أبيه. وأن يحوّله من مالك للأرض إلى مرابعٍ يبذل عرقه وتعبه من أجل أن يحصد “الباشا” خير الأرض ويترك له ولغيره الفتات، ما يعيد سؤال “الفهد” لماذا قد يهان الإنسان؟ وهل كتب على هذه القرى أن تعيش تاريخاً لا ينتهي من الظلم والإهانة والاستغلال؟ فيما تعجز المقاومة الفردية عن تحقيق شيءٍ من العدل فيها؟ وهل ستكون نهاية “عاصي الزند” مشابهة لنهاية “الفهد” أم أن أسطورته ستكون أملاً لخلاص جماعي؟