محامي يتحفظ على ماحصل في قضية اتهام مراهق باغتصاب طفل في “طرطوس”

“الشعال” يوضح رأي القانون في القضية.. وينتقد ماحصل
سناك سوري – دمشق
كتب المحامي والخبير الدستوري “عارف الشعال” معلقاً على مجريات حادثة اعتقال شاب بقرية “كرتو” في “طرطوس” بعد اتهامه من قبل والد طفل باغتصاب ابنه، وهذا ما كتبه:
تداول الناشطون على الفيسبوك مقطع فيلم مؤثر نشره أب بجانبه طفله يشتكي فيه بحرقة واضحة، قيام قاضي التحقيق بإخلاء سبيل شخص ادعى عليه بالشروع في ممارسة الفحشاء مع ابنه القاصر، ولم يمض على توقيفه أكثر من 17 يوم، وقال بكل وضوح أن هذا المتهم له سوابق بالاعتداء ومحاولة الاعتداء على 14 طفل آخر بالقرية نفسها!.
تعاطف رواد مواقع التواصل مع هذا الأب، وانصرف ذهن كل من شاهد الفيلم أن القاضي لم يكن ليخلي سبيل سفاح له سوابق بممارسة الفحشاء مع 14 طفل آخر غير هذا الطفل، لو لم يكن قد ارتشى!! انتشر الفيلم بين الناس على نطاق واسع حتى أصبح الموضوع قضية رأي عام، وثارت ثائرة الجمهور الذي شاهده على القضاء بانحداره لهذا الدرك.
هرع السيد وزير العدل مشكوراً لعدلية “طرطوس” ليطلع بنفسه على ملف القضية وظهر أمام كاميرات التصوير ممسكاً بالملف وقال:« إن ما قاله الأب في الفيلم من أن الممتهم له سوابق ممارسة الفحشاء مع 14 طفل آخر لا يوجد عليه دليل أو إشارة بملف القضية، باستثناء إفادة لإحدى نساء القرية في الضبط قالت فيها إن المتهم حاول منذ ثلاث سنوات اغتصاب ابنها ولكنها أحجمت عن الشكوى وقتها خشية الفضيحة».
وقال الوزير :«إنه لا يوجد دليل على ارتكاب الفعل بحق نجل الشاكي سوى أقوال جهة الادعاء، وإن تقرير الطب الشرعي لم يثبت حصول أي اعتداء جنسي وإنما لاحظ وجود آثار ضرب على رأس الطفل».
“الشعال” أضاف في منشوره الذي رصده سناك سوري: بالمحصلة اتخذت بعض الإجراءات باستدعاء وليّ الطفل وجعله يتقدم بدعاء شخصي، فأصدرت بحق المتهم مذكرة توقيف ثانية على الغياب وأُعيد توقيفه ثانية، وارتاح الناس! أما نحن كمعنيين بالشأن القانوني والقضائي، ومع تسليمنا بأن التوقيف الاحتياطي يكون ضرورياً لتهدئة خواطر الجمهور الهائج من الجريمة، لدينا أيضاً هواجسنا مما حصل، وننظر إليه بعين الحذر والتحفظ لأن إعادة توقيف هذا الشخص ثانية كانت لتهدئة خواطر الجمهور الهائج من إخلال السبيل والارتياب بشبهة فساد القاضي!!.
في الواقع لقد كان سخط الناس على القاضي عندما قام بإخلاء سبيل المتهم تجاهله لسوابقه بارتكاب نفس الجرم 14 مرة في السابق كما زعم الوالد بالفيديو الشهير وهو أمر ثبت عدم وجود ما يدل عليه بملف القضية، وبالتالي فإن والد الطفل ضلل الناس بهذه المعلومة الكاذبة أو غير الثابتة على الأقل، وهذا الأمر الذي تسبب بهياج الناس، فضلاً عن عدم وجود دليل ملموس على صحة وقوع الفعل على الطفل حتى تلك المرحلة من التحقيق، وبناء عليه يكون قرار إخلاء السبيل بمحله قانون ويقع تحت سلطة القاضي التقديرية.
وبالتالي كان يكفي برأيي أن تقوم وزارة العدل بمناصرة القاضي الناظر بالقضية، وتكذيب مزاعم الوالد التي أوردها بالفيلم لجهة أسبقيات المتهم، وشرح واقعة عدم ثبوت الفعل حتى تلك اللحظة وأن الأمر مازال قيد التحقيق وأن القضاء لم يقل كلمته الباتة بالموضوع، وفي ذلك تبرئة للقاضي من ظنون الفساد التي لحقته، ومساندة لموقفه القانوني. لأن طريقة المعالجة بإعادة توقيف المتهم غير قانونية، بحسبان أن تقديم الادعاء الشخصي في مثل هذه الجرائم ليس له أي أثر بسير دعوى الحق العام، ولا بتوقيف أو إخلاء سبيل المتهم، وله آثار سلبية بتعزيز قناعة الناس بفساد القاضي وهو أمر لم يثبت أبداً، ناهيك عن أنه يقدم مكافأة لوالد ضلل الناس بوقائع ظنية غير ثابتة تتصل بأسبقيات المتهم.
وفوق كل ذلك فإن إعادة التوقيف هذه قد تتسبب بمشاعر من الاستياء الممزوج بالخوف في نفوس القضاة تدفعهم للإحجام عن قبول طلبات إخلاء السبيل المحقة في حالات شبيهة، ما يؤثر بشكل مباشر على الحريات، إذ سيضع القاضي بحسبانه دوماً الخشية من ظهور فيلماً مشابهاً لذوي المدعي الشخصي مشككاً بنزاهته يتم تداوله كما حصل في هذه السابقة الفريدة، وهو أمر لا يمكن ضبطه في ظل الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي.
نحن كأهل قانون نتمثل دائما بموقف علمائنا من التوقيف الاحتياطي وعلى رأسهم العلامة المرحوم “عبد الوهاب حومد” الذي قرر أن: ((التوقيف الاحتياطي طعنة في صميم الحرية، ولكنه مع ذلك ضروري أحياناً كشر لابد منه حتى لا يفر المدعى عليه وحتى يظل تحت تصرف المحقق، وهو ضروري أيضاً لكي لا يعمل المدعى عليه الطليق على طمس معالم الجريمة، كأن يتصل بشهود الحادث ويقنعهم أو يرشوهم أو يهددهم. ولابد منه حتى لا يرتكب الفاعل جرائم أخر، ما دام قد أعطى الدليل على أنه خطر، وربما كان ضرورياً أيضاً لتهدئة خواطر الجمهور الهائج، أو لحماية حياة الموقوف نفسه من ردود فعل المعتدى عليه أو ذويه)) “أصول المحاكمات الجزائية – ط 1987 – ص729”.
اقرأ أيضاً: طرطوس: المحافظة تنشر صورة المراهق قبل البت بالحكم…. ومطالب بتحويله للعلاج قبل العقاب