في يومه العالمي .. اللا عنف في سوريا طوق النجاة المنسيّ
سوريا الغارقة في حربها .. قدّمت أرقى نماذج المقاومة اللاعنفية وأنجبت غاندي العرب
لم يجد اللا عنف في سوريا تياراً واضحاً يعبّر عنه مقابل التطرف العنفي بين مختلف أطراف الحرب التي عصفت بالبلاد منذ 12 عاماً.
سناك سوري _ محمد العمر
وبينما يحتفل العالم باليوم الدولي للا عنف في 2 تشرين الأول من كل عام. تيمناً بيوم ميلاد “المهاتما غاندي” الذي يعد أبرز أعلام الحركة اللاعنفية في العالم. فإن “سوريا” لم تتعرّف جيّداً إلى مفهوم “اللا عنف” بوصفه وسيلة تعبير ومقاومة ومواجهة. غابت عن أجيال كثيرة لم تعِش سوى الخراب والدمار وتكريس القناعات بأن العنف هو السبيل الأوحد للوصول إلى الغايات.
المقاومة اللا عنفية في سوريا
في حين. يتم تغييب النضال اللا عنفي للسوريين عن الواجهة في وسائل الإعلام بل وحتى في المناهج الدراسية. حيث لا يتم الحديث عن “إضراب الجولان” عام 1982 الذي نجح خلاله السوريون في رفض هوية كيان الاحتلال الذي كان يحاول فرضه عليهم. بوصفه واحداً من أرقى نماذج المقاومة اللاعنفية التي أجمع عليها الجولانيون في مواجهتهم للاحتلال. ونجحوا في خلق مكاسب لمقاومتهم دون الخوض ببحار الدم والعنف.
اللاعنف يدعونا إلى تقويض جدران العنف والكراهية كي نبني مكانها جسور المحبة والسلام. وهنا يجب أن نتحلّى بالخيال المبدع. فهندسة الجدران لا تحتاج الى مخيّلة، وحسبنا أن نتبع الثقالة الأرضية. أما هندسة الجسور فتحتاج إلى إبداع عظيم لأنها تعاكس هذه الثقالة جان ماري مولر
غاندي العرب السوري
وبينما سيستغرب كثيرون الحديث عن “اللا عنف” في “سوريا” خاصة بعد سنوات من حربٍ طاحنة قطّعت أوصال البلاد وأسقطت مئات آلاف الضحايا والمهجّرين والمفقودين. فإن الأغرب هو أن حامل لقب “غاندي العرب” لم يكن إلا المفكر السوري الراحل “جودت سعيد” الذي يعتبر قائداً لمدرسة لا عنفية عربية تجسّدت في كتاباته ومؤلفاته التي افتتحها بكتاب “مذهب ابن آدم الأول .. مشكلة العنف في العالم الإسلامي”. والذي عمل فيه على تأصيل اللاعنف في الإسلام.
يجمع المفكّرون اللا عنفيون على فكرة هامة تتمثّل بأن “اللاعنف” سبيل للمواجهة والمقاومة. وليس خضوعاً واستسلاماً، ويحرصون على التمييز بينه وبين مفهوم “السلمية”. إذ إن “اللا عنف” يبحث دائماً عن طرق جديدة للمواجهة والتحدي ومحاصرة الطرف الآخر العنفي وإظهار ضعفه الذي يدفعه للمغالاة في البطش.
استسهال خطاب العنف والكراهية
يقول فيلسوف اللا عنف الفرنسي “جان ماري مولر” إن «اللاعنف يدعونا إلى تقويض جدران العنف والكراهية كي نبني مكانها جسور المحبة والسلام. وهنا يجب أن نتحلّى بالخيال المبدع. فهندسة الجدران لا تحتاج الى مخيّلة، وحسبنا أن نتبع الثقالة الأرضية. أما هندسة الجسور فتحتاج إلى إبداع عظيم لأنها تعاكس هذه الثقالة». وتجسّد هذه المقولة جوهر استسهال أطراف الصراع سواءً في “سوريا” أو في أي بقعة من العالم. لدعوات العنف والتحريض بوصفها خلطة سهلة للشعبوية والتحشيد. وصعوبة تبنّي الخطاب اللا عنفي لتجنيب الشعوب والبلدان شلالات الدم. إلا أن النظر إلى مآلات كل صراع وعواقبه المدمرة بعد ما أزهقت الأرواح يكشف أيّ فخّ أوقعت فيه تلك الأطراف أنصارها وأيّ كارثة أوصلنا إليها العنف وخطاب الكراهية المتطرف الذي وجد ولا يزال كل المنابر مفتوحة له لإعلاء صراخه وبثّ تحريضه من أجل مواصلة المأساة.