أخر الأخبارالرئيسيةمعلومات ومنوعات

في ذكرى تأسيس التلفزيون السوري .. بدأ ساحراً وانتهى خارج نطاق التطور

بين عبارات البجيرمي ودموع عزة الشرع .. تاريخ التلفزيون الرسمي وعلاقته بالجمهور

ثلاثة وستّون عاماً مرّت على تأسيس التلفزيون السوري شهدت فيها البلاد مختلف أنواع الأزمات والتغييرات. كان خلالها حاضراً في مواكبة بعضها وغائباً عن بعضها الآخر .

سناك سوري_ ميس الريم شحرور

دخل التلفزيون السوري حيّز الإرسال بمعدّل لا يتجاوز ساعتي بثّ يومياً. وحملت انطلاقته ما سحر عقول سكّان مدينة “دمشق”. إذْ لم تكنْ فكرة امتلاك التلفزيون أو ما اعتبره المشاهدون “صندوق العجائب” دارجة آنذاك. بل اقتصر تواجد “آلة الفرجة” تلك على البيوت ميسورة الحال والتي تحوّلت إلى مقصد للجيران والأقارب للاستمتاع بهذا القادم العجيب.

أبرز محطات التلفزيون السوري

استطاع “التلفزيون السوري” في بداياته أن يقدّم توليفة من البرامج الفنية مستعيناً بممثلين وكوادر فنية من إذاعة “دمشق”. فلا تكاد تغيب عن ذاكرة الجيل الذي رافق التلفزيون في رحلته صورة. الراحل “نهاد قلعي” رفقة الفنان “دريد لحام”. في برنامج “سهرة دمشق” عام 1960. فلم يعد المتابع بحاجة لتخيل صور الشخصيات كما يفعل عند استماعه للإذاعة.

ولم تقف إنتاجات التلفزيون السوري عند حدّ البرامج الفنية، بل بدأت معها مرحلة جديدة صارت الدراما التي تتمحور حول قضايا تلك الحقبة حاضرة في ساعتي البث اليومية. ومن قبيل ذلك أنتجت أول تمثيلية تناولت الثورة الجزائرية وأحداثها. لعب بطولتها الفنان الراحل “بسام لطفي” بعنوان “الغريب”.

السنوات المتلاحقة طوت صفحة برامج الرياضة من “محطات رياضية” و”الأحد الرياضي” إلى “الرياضة حياة”. إلا أنّ أعلام تلك المرحلة من إعلاميين أمثال “عدنان بوظو” و”ياسر علي ديب” و”وجيه شويكي”. ما زالوا حاضرين في ذاكرة السوريين.

لا ينسى متابعو الشاشة السورية عبر مراحلها المختلفة الإعلامي “مروان صواف”. بصوته الواثق وكلماته التي تخرج ارتجالاً حراً في عدد من البرامج التي أغنت أرشيف الشاشة السورية. منها برنامج “أوراق ملونة” و”أيام عالبال”

كما لا ينسى متابعو الشاشة السورية عبر مراحلها المختلفة الإعلامي “مروان صواف”. بصوته الواثق وكلماته التي تخرج ارتجالاً حراً في عدد من البرامج التي أغنت أرشيف الشاشة السورية. منها برنامج “أوراق ملونة” و”أيام عالبال”. ولعلّ أكثر ما ترسخ في ذاكرة المشاهد السوري والعربي من برامجه هو “إذا غنى القمر”. فقد استطاع أن ينقل شغفه بالسينما إلى المشاهد.

 “تأمل يرعاك الله” تاريخ التلفزيون

اقترنت ذاكرة المشاهد لبرامج التلفزيون السوري بعبارات يتردد صداها عبر الرحلة التي رافقت تأسيسه. ولعلّ أبرزها عبارة الراحل “البجيرمي” في ختام كلّ خبر من برنامج “طرائف من العالم”. الممزوجة بالدهشة والسخرية “فتأمل يرعاك الله”.

أما عبارة “والله ندمان يا سيدي” بصوت “المدانين” في “الشرطة في خدمة الشعب”. الذي قدّمه الإعلامي “علاء الدين الأيوبي” فما زالت حتى اللحظة تستخدم بين أجيال الشباب الحالية كنوع من التهكم.

ومع بداية الألفية الثالثة كان التلفزيون السوري مواكباً للأحداث التي كانت تعصف بالمنطقة. ولعل المشهد الأشهر كان دموع “عزة الشرع” وهي تقرأ على الهواء خبر سقوط “بغداد” واجتياح الجيش الأمريكي لها. فيما سيلي تلك اللحظة حروب أخرى كان التلفزيون السوري حاضراً في تغطيتها مثل حرب تموز 2006 في “لبنان” وحرب “غزة” عام 2008.

لعل المشهد الأشهر كان دموع “عزة الشرع” وهي تقرأ على الهواء خبر سقوط “بغداد” واجتياح الجيش الأمريكي لها.

كانت بداية الحرب السورية مربكة للتلفزيون الرسمي الذي وجد نفسه أمام حدث استثنائي يتطلب أداءً استثنائياً. لا سيما وأن الفضائيات الخارجية سرعان ما تبنّت سردية للأحداث السورية تعادي الحكومة السورية بوضوح. وكان على التلفزيون السوري أن يواجهها بالسردية الرسمية لما يحدث. الأمر الذي أوقعه في هفوات وأخطاء لا سيما في السنوات الأولى للحرب.

فرقت مواقف الإعلاميين من الحدث السوري، نجوم الشاشة السورية. فغاب وجه “محمد السعيد” الذي دفع روحه ثمناً لموقفه السياسي. وأصبح “خالد جمالو” طيراً مهاجراً لا يجد من يخبر البلاد عنه كما دأب في سنواتٍ من تقديم برنامجه “خبرني يا طير” على جمع كلّ الذين تشتت بهم السبل بأهاليهم.

بناء الثقة مع الجمهور

لعب جمود المحتوى الذي يقدّمه التلفزيون الرسمي مقابل تطور القنوات الفضائية المحلية والعربية وسعيها الدؤوب لتقديم محتوىً تفاعلي أكثر فأكثر. دوراً أساسياً في انكفاء قسم واسع من الجمهور عن متابعته.

الشكل الخارجي الجامد لا يختلف كثيراً عن مضمون المحتوى الذي يقدّمه التلفزيون فمثلاً حين تتم استضافة مدير أو وزير أو مسؤول تدور معظم اللقاءات في فلك مجاملته وإظهار إنجازاته ولا يتم توجيه أسئلة الشارع له بحيث يخرج المتابع بأجوبة عمّا يدور في رأسه ويلامس حياته اليومية. كما أن محاولات التلفزيون إطلاق برامج خدمية بقيت مقتصرة على دوائر صغيرة وقضايا محلية عابرة لا تأخذ أصداءً على مستوى البلاد كدليل على قدرة الإعلام على التغيير لصالح المواطن.

كما أن التلفزيون الرسمي يصطدم رغم أنه مؤسسة حكومية بجهات عامة أخرى تعيق عمله وأداء وظيفته فعلى سبيل المثال يكتفي التلفزيون السوري. بنقل خبرٍ مكتوب في نشرة أخباره عن انعقاد جلسات مجلس الشعب. بدلاً من أن تكون الجلسات منقولة بشكل مباشر على شاشته أو على الأقل تنقل مداخلات النواب بالصوت والصورة ليطّلع المواطن على أداء ممثليه في البرلمان. ما يظهر أن التلفزيون السوري محروم من أداء دوره كما يجب في مثل هذه الحالات.

هذه العوامل وغيرها أدت لغياب الثقة بين الجمهور والتلفزيون الرسمي وبات الناس ينظرون إليه على أنه جزء من الماضي. وأنه لا يقدّم سوى السردية الحكومية التي تبتعد في عدة مواضع عن أرض الواقع الذي يعيشه السوريون يومياً.

أكثر من 6 عقود على ليلة 23 تموز 1960 التي بدأ فيها التلفزيون السوري بثّه. تغيّر خلالها العالم واجتاحت التكنولوجيا وتطوراتها المهولة عالم الإعلام. فيما بقيت الشاشة السورية مشابهةً لما كانت عليه في التسعينيات خارج نطاق التطور والفاعلية.

تجدر الإشارة إلى أن التلفزيون الرسمي وبحكم كونه مؤسسة رسمية فإن تمويله يأتي من خزينة الدولة. أي من أموال عامة الشعب وبالتالي يصبح حريّاً به أن يكون المدافع الأول عن مصالح الشعب بحكم أنه مموّله الرئيسي.

زر الذهاب إلى الأعلى