أطفال تركوا مقاعد الدراسة وآخرون حملوا إعاقات جسدية أو نفسية.. من يعيد لأطفال سوريا فرح طفولتهم التي فقدوها؟
سناك سوري – مراسلون
لم تترك الحرب بأعوامها التسعة شيئاً في “سوريا” إلا وأصابته بالضرر، كثيرون هم ضحاياها.. في مقدمتهم أطفال تعرضوا لأبشع أنواع القسوة، فتركت الحرب في أذهانهم أو على أجساهم آثار لن تمحى.
روايات كثيرة تحتاج لمجلدات كي نتمكن من توثيقها، واليوم وبمناسبة اليوم العالمي للأطفال ضحايا الاعتداءات الذي يصادف في الرابع من شهر حزيران من كل عام ،نستعرض بعضاً من القصص التي رواها لنا أبطالها بأنفسهم علها تكون شاهداً على هذه الحقبة من الألم .
اقرأ أيضاً:“غفران”.. طفلة الـ12 عاماً عاملة نظافة في “التل”!
في “القنيطرة” وتحديداً في التاسع عشر من تموز 2018، عاش الطفلان “عبد الهادي عبدالله” و “نورس حامد” أسوأ أيام حياتهما، فقدا في يوم واحد عدة أفراد من عائلتيهما، يقول ”عبد الهادي عبدالله“ (11 سنة) لـ ”سناك سوري“ : «في ذاك اليوم كان أبي يقود السيارة حين قررنا النزوح من قريتنا من جنوب “القنيطرة” إلى مدينة “نوى” غرب “درعا” بعد أن اقتحم الدواعش القرية، فجأة تم استهداف سيارتنا بإحدى القذائف، سقطت القذيفة على مسافة قريبة منا فانقلبت السيارة، توفي والدي من فوره وأصيب عمي (والد نورس) إصابة بليغة في يده أدت لبترها من فوق المعصم، كما توفي ابن خالتي الصغير و توفيت امرأة نازحة وطفلها كان أبي قد قام بنقلهما معنا».
هذه الحادثة قلبت حياة “عبد الهادي” و”نورس” إلى الأبد، فقدا معيلا عائلتيهما، وأصبحا بعمر صغير مسؤولان عن العائلة لم يكن أمامها خيار، فتركا المدرسة وبدأا العمل، وهما اليوم يعملان في محل لصيانة السيارات والدراجات النارية في قريتهما.
اقرأ أيضاً:أطفال يشكلون كتائب ومجموعات مسلحة صبيحة عيد الفطر (السعيد)
حُرقتا في منزلهما..
كان عُمرُ “ألمى الجباعي ” عامين و أختها “إيلين” سبعة أشهر، عندما قام مسلحي “داعش” بالهجوم على قريتهم في “السويداء” عام 2018 ، واليوم رغم مرور عامين على الحادثة، عندما تسألهما عن مكان الألم تشيران إلى الحروق المختلفة التي طالت جسديهما نتيجة إشعال عناصر “داعش” النيران بالمنزل والتي كادت أن تقضي على حياتهما لولا وصول الأهالي، فأنقذوا الطفلتين من الموت حرقاً إلا أنهما فقدتا حينها أمهما وجديهما .
يقول “أنس الجباعي” والد الطفلتين: «وصلت بعد ساعات من الهجوم لأجد والدي ووالدتي وزوجتي جثثاً محروقة، وطفلتاي مرميتان على الحطب، حيث وضعهما عناصر داعش وحضروهما للحرق لولا وصول النجدة، وأراد الله لبناتي الحياة لكن مع حروق أسفرت عن أذية واضحة في رجلي “ألمى” أثرت على المشي لديها وأصيبت “إيلين” بعدة حروق تركت أثار واضحة على الجلد لم تفلح معالجتها خلال العامين الماضين في إزالتها».
“ألمى” التي نالت الحروق من رجليها وأثرت على الأعصاب فيها، أُجريت لها عمليتين استطاع الوالد دفع تكاليفها من تعويضات وصلته عن أسرته التي خسرها، لكنه عجز عن إجراء العملية الثالثة التي تحتاج مبلغاً كبيراً وهو حالياً لا يملك عملاً، استأجر منزلا في مدينة “السويداء” وعاد ليؤسسه من نقطة الصفر بعد أن عجز عن ترميم منزله القديم ولم يحصل على أي تعويضات أو مساعدات لتحسين ظروف الطفلتين، حسب قوله.
اقرأ أيضاً:“السويداء”.. ناجون من هجوم “داعش” يروون تفاصيل اللحظات الأخيرة!
الخطف أفقده نظره..
عندما كان عمر “علاء ناظم سليم” ثلاث سنوات في شهر آب عام 2013، خطفه مسلحون مع أختيه “ريم” عام واحد و “رشا” ثمانية أعوام من قريتهم “صليب بلوطة” في الريف الشمالي لمدينة “اللاذقية” وارتكبوا يومها بحق السكان مجزرة مروعة راح ضحيتها والدي الأطفال، تم تحريره بعد خطف استمر أربع سنوات بعملية تبادلية، لكنه عاد بإصابة بليغة في عينه اليسرى أدت إلى تراجع نظره ما أثر لاحقاً على مستواه الدراسي.
يقول عم الطفل “طلال سليم” :«لم نعرف سبب الإصابة في عينه، بعضهم قال إن شظية استقرت فيها وآخرون قالوا ربما بسبب ضربه قوية على عينه لأنه كان يبكي كثيراً، مؤكداً أن كل العلاجات لم تنفع في إعادة بصر “علاء” لما كان عليه سابقاً، والمؤسف أنه لم يعد هناك من يسأل عن هؤلاء الأطفال وحاجاتهم حتى مبلغ الـ 25 ألف الذي كان يصل لكل مخطوف عن طريق إحدى الجمعيات توقف منذ سنتين».
اقرأ أيضاً:بعد خطفهما لأربع سنوات.. طفلتان سوريتان قابلتا الألم بالتفوق
يوم عاد “علاء” وإخوته من الخطف وجدوا بيت أهلهم منهوبا وأبوهم وأمهم مقتولين والكثير من أعمامهم وأقرباءهم وجيرانهم، لم يجدوا إلا جدتهم العجوز “نديمة درويش” التي فقدت أبنائها الثلاثة وزوجها وكناتها الأربعة وبنتين لأولادها وأخوتها مع عائلاتهم وبنتي ابنتها، ضمت هذه العجوز أبناء ابنها الثلاثة وتولت رعايتهم فقدمت كل ما تستطيعه لإنقاذهم إلا حسرتها ودموعها كانت حاضرة دائماً .
لم يعرفا والدهما.. ويعيشان دون معيل
في “طرطوس” يتلمس الطفل “خضر أسعد” 6 سنوات صورة والده كل حين، يقبلها ويلتفت لأمه ليسألها دون يأس :«متى سيعود أبي؟»، تضمه بحرقة، وتذكره لتخفف عنه، أن أخاه “جعفر” 5 سنوات لايتذكر صورة وجه والده ولايعرفه إلا عبر الصورة فقد كان في الشهر العاشر من عمره حين توفي والده حتى أنه لم ينعم بحضنه ولابمعايدة منه في عيد ميلاده الأول.
تقول “سلام محمد” والدة الطفلين في حديثها مع سناك سوري فقدنا في العام 2016 معيل أسرتنا الوحيد وتغيرت حياتنا كلياً هجرنا المنطقة التي كنا نعيش فيها معاً بريف “اللاذقية” كوني لا أملك منزلاً فيه وكنا نعيش بالإيجار، وعدت إلى قريتي في ريف “طرطوس” مع أطفالي لنبدأ معاً حياة جديدة نفتقد فيها لحنان الأب ومساندته، أثّر كثيراً غياب الأب على طفلاي أجد صعوبة بتأمين مستلزماتهما وحتى في تربيتهم.
الأطفال هم الشريحة الأكثر تضرراً خلال الحروب وخاصة شريحة مجهولي النسب منهم الذين ولدوا من زيجات غير مسجلة أصلاً حسب ما أكدته مدير الشؤون الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل “ميساء ميداني” خلال حديثها مع سناك سوري وقد تم العمل بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية والهلال الأحمر العربي السوري على تأمين ثبوتياتهم وتسجيلهم.
اقرأ أيضاً:مشروع قانون مجهولي النسب بين الضرورة والخمس نجوم ..
الشؤون الاجتماعية للإشراف والإحصاء!
توضح “ميداني” بعض الخدمات التي تقدمها الوزارة للأطفال ضحايا الحرب فتقول:«تطورت الخدمات التي تقدمها الوزارة للأطفال حسب الحالات والظواهر الجديدة التي أفرزتها الحرب، والتي قسمناها حسب دراسة نفذتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان سنة 2017 والتي حملت اسم “وثيقة الرصد والإبلاغ والإحالة للأطفال الأكثر تعرضاً للعنف”، وخرجت الدراسة بتسع حالات هي” تجنيد الأطفال، الاعتداء الجسدي، عمل الأطفال، الاتجار بالأطفال، التشرد والتسول، الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية سواء المنفصلين وأطفال غير مصحوبين، التسرب المدرسي وعدم الالتحاق أساساً».
عمل الوزارة في هذا المجال حسب “ميداني” هو الإشراف على العمل الخاص بالأطفال المقدم من قبل الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية، حيث تم أتمتة هذه الحالات كتنظيم للعمل والخدمات واسمه نظام إدارة الحالة، وهنا أصبح لجميع الجمعيات التي لها تعاون دولي مع اليونيسيف أو مفوضية اللاجئين والتي تقدم مشاريع لحماية الأطفال عن طريق برامج، مدير حالة و مهمة الوزارة جمع معلومات عن الحالات الصعبة وتثبيتها باستمارات واضحة محددة، علماً أنه يتم التنسيق أيضاً مع الوزارات ذات الصلة وهي الصحة والداخلية والعدل والتربية، مشيرة إلى أن العديد من الحالات يبدأ العمل معها من عند العدل والداخلية بضبط شرطة وتحويل للنائب العام، وبعدها يأتي دورنا بتقديم الخدمة والرعاية، قد يكون تعديل سلوك أو دعم نفسي أو معالجة دوائية وغيرها.
أما عن طريقة تقديم هذه الخدمات فتتم حسب “ميداني” بالتعاون بين معاهد الرعاية الاجتماعية التابعة للوزارة والجمعيات التي خدماتها متشابهة، بالنسبة للمتضررين بإعاقات جسدية لهم وثيقة إعاقة تسمح له بالحصول على الخدمات حسب الحاجة، أطراف صناعية، عناية صحية تأهيل مهني، وقد أحدثت جمعيات للأطراف الصناعية ومراكز لتقديم طرف صناعي، وقد حصلنا على منحة هندية قدمت 500 طرف عدد منهم للأطفال، وبالنسبة لمن فقدو أسرهم طورنا خدمة مع قرى الأطفال sos، والمياتم ، كما أقمنا مراكز مؤقتة للمشردين ، حيث تشرف جمعية حقوق الطفل على مركزين، وفي المحافظات فعلنا مكاتب منع التسول، كما تقدم الوزارة بالتعاون مع اليونيسيف برنامج لحماية الأطفال الذين يعملون بظروف سيئة ومعرضون للعنف والاعتداء.
ويحيي العالم اليوم العالمي للأطفال ضحايا الاعتداءات، بعد أن خصصته الأمم المتحدة في عام 1982 بهدف ضمان حصول جميع الأطفال على حقهم فى الحرية والكرامة وتوفير أرضية ملائمة لهم حتى يكبروا فى بيئة آمنة، في الوقت نفسه لم يحصل أطفال سوريا الذين تعرضوا لكل أشكال العنف خلال السنوات الماضية على الدعم المادي أو النفسي الكافي.
المراسلون: شاهر جوهر، لينا ديوب، رهان حبيب، نورس علي
اقرأ أيضاً:في اليوم العالمي للأسرة.. عائلات سورية كسرتهم الحرب وقلبت حياتهم