حوار استثنائي بين “البياتي” و”عدوان”
سناك سوري – عمرو مجدح
في واحدة من جولات المطالعة بين الصحف والمجلات العتيقة يستوقفني ذلك الحوار بين قامتين أدبيتين من “العراق” و”سوريا” الراحلين الشاعر العراقي الكبير “عبد الوهاب البياتي” وهو من مؤسسي مدرسة الشعر العربي الحديث والشاعر والكاتب السوري “ممدوح عدوان” الذي كان في بداية مشواره آنذاك.
يقول “عدوان” في مقدمة الحوار الذي نشرته مجلة المعرفة العام 1967 : «في “القاهرة” التقيت بالشاعر “عبد الوهاب البياتي”وهو شخص يفاجئك حين تلقاه لأول مرة كأنك تعرفه ويعرفك ويتحدث إليك ببساطة وحرية بلا مجاملات ولا مقدمات وكأنكما افترقتما منذ ساعة».
ذهب الحوار إلى الكثير من المحاور الشعرية وتنوعت الأسئلة لكن ما كان لافتا رأي “البياتي” في الشاعر والأديب السوري “أدونيس”وعندما توجه “عدوان” بالسؤال للبياتي حول “أدونيس” أجاب : «في رأيي أن محاولات “أدونيس” شكلية وعقيمة وتدور في نطاق استحداث لغة جديدة. ولكن هذه اللغة الجديدة لغة ميتة، وأنا أرى أنها بلا جذور فلسفية بالرغم من ادعائه ومحاولات التمويه الظاهرة»
وعن رأيه في الشعراء الذين ينتمون لجيل “أدونيس” قال :«أكثر الشعراء الآخرين لا يعجبوني لأنهم يمثلون تطلعات البرجوازي الصغير بلا جذور إذ أنه لا يعبر عن طبقته».
اقرأ أيضاً:“أدونيس” من طفل أدهش الرئيس إلى الثورة على القصيدة!
ربما شعر َ “عدوان” أن رأي “البياتي” فيما كتب “أدونيس” كان قاسياً وهذا مادفعه ليسأله ” ألم تظلم أدونيس؟” لكن الشاعر العراقي بقى ثابتاً على رأيه وأكثر قسوة، رد قائلا : «”أدونيس” يقع في المنطقة الميتة بين هؤلاء وبين “السياب” و”الحاوي” لأنه ينتهي بالشكلية اللفظية كما قلت، وقد ينجذب إلى “أدونيس” بعض الشباب في سن معينة إذ يقعون في شراك اللفظية ويعتقدون أن قصائده تقول شيئاً ما، وأنا أرى أنها لا تقول شيئاً على الإطلاق»، وهنا يسأل “عدوان”:«هل ينطبق هذا الرأي على كل شعره ؟ فيجيب البياتي قائلاً: قصائده النثرية أفضل من قصائده الأخرى لأنها أكثر وضوحاً، وهو صدى لـ “نيتشه” في “هكذا تكلم زرداشت” ومحاولة لإعادة كتابة “سان جون بيرس” بشكل أكثر غموضاً».
كان لـ “لبياتي” رأي مختلف حول الشاعر السوري “محمد الماغوط” فعندما سأله “عدوان” عن من يعجبه من شعراء النثر أجاب :«”محمد الماغوط” و”أنسي الحاج” كل ما قرأت للماغوط فيه صدق وأصالة ووضوح ، وأستطيع أن أضمه إلى “السياب والحاوي”، وأنا لا أعترض على قصيدة النثر وأعتبرها نوعاً من الأنواع الأدبية. ولكني أعترض على الغثاثة والهذيان واللامعنى واتخاذها من قبل أنصاف المثقفين مطية للتعبير عن لا شيء».
قد تختلف الأراء لكن يبقى لكل شاعر منهم خصوصيته وأهميته وتفرده في مكان ما واستعراضنا لرأي “البياتي” ليس انتقاصاً من مكانة أحد لكنه إضاءة على رأي لشاعر كبير يستحق المناقشة ووثيقة عتيقة من دفتر الأدب.
“عبد الوهّاب البياتي “شاعر وأديب عراقي ولد في بغداد عام 1926 وتوفي في “دمشق” عام 1999 عن عمر ناهز 72، يُعد واحداً من أربعة أسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي الحديث في العراق (رواد الشعر الحر) وهم ” نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، شاذل طاقة” .
اقرأ أيضاً:أنهر العراق تصب في دمشق “عاصمة المنفيين”