سوريا.. نساء دخنّ الأركيلة علناً في التسعينات واليوم يدخِنّ السجائر سراً
في عيد المرأة العالمي.. المجتمع يتقبل تدخين المرأة للأركيلة من باب الترفيه والوجاهة وأحيانا تلاحقها الشبهات إذا دخنت السجائر!
لا يعرف التاريخ الفعلي لدخول “الأركيلة” إلى البيوت السورية، إلا أنها أصبحت متداولة كثيراً في المجتمع السوري وهناك صور تؤرخ لوجودها منذ بداية القرن العشرين وتظهر المرأة وهي ممسكة بخرطوم “نربيش” “الأركيلة” في البيوت الدمشقية القديمة.
سناك سوري – عمرو مجدح
خلال عشرات السنين ساهمت الضغوطات السياسية والإجتماعية على انتشار التدخين، بينما اقتصرت “الأركيلة” على الرجال مياسير الحال وأصحاب الوجاهة في المقاهي والأماكن العامة، يتعاطونها إلى جانب الأحاديث السياسية والثقافية وظلت المرأة تدخن خلسه خلف الجدران وعند العائلات الأكثر انفتاحاً كانت تدخن “الأركيلة” أمام زوجها والأبناء.
بقي هذه الحال لعقود إلى أن اخترقت بعض النسوة في حالات فردية نهاية “الستينات” ومطلع “السبعينات”، مع بداية الإنفتاح والتحرر في المجتمع السوري تلك العادة التي كانت حصراً على الرجال وواجهن المجتمع والنظرة الذكورية السيئة للمرأة المدخنة وربما لم يكن ذلك انتصاراً لتدخين، إنما حباً في الحرية والمساواة مع الرجل إلا أن انتشار “الأركيلة” كان محدوداً ولم تكن متوفرة في كل المنازل وبدأ ظهورها واضحاً في المقاهي والأماكن العامة “تسعينات” القرن الماضي وأصبح منظر تدخين النساء “للأركيلة” أمراً طبيعياً ومقبولاً مجتمعياً.
تقول “لطفية”، ٦٨ عاماً من سكان مدينة “دمشق” “لسناك سوري”: «على أيامنا (فترة السبعينات) لم تكن الأركيلة ظاهرة واضحة المعالم، كانت شيء غامض بالنسبة لكثيرات، التدخين كان أسهل، بينما اقتصرت الاركيلة “التنباك” على مقاهي الرجال التي كانوا يرتادونها مساءً».
وعن المرة الأولى التي “تؤركل” فيها تحكي قائلة: «تقريباً في عام ١٩٨٩ في رحلة إلى منتزهات “غوطة دمشق” حين عرض علي أخي الصغير أن أشاركه “الأركيلة”، خجلت حينها لكني لم أدع الخجل يحرمني التجربة، بينما كانت ترمقني أعين المارة بنظرات غير مريحة أبداً».
اقرأ أيضاً: “كورونا” يصيب فيسبوك السوريين.. ناشطون: «كل شي إلا الأركيلة!»
تضيف:«السجائر في فترة شبابي سهلة التداول، بدأت التدخين بعمر ١٩ عاماً كانت عبارة عن سيجارة واحدة باليوم آخذها خلسة من علبة خطيبي الخاصة دون علمه، بينما كان من المستحيل التدخين أمام أهلي، إلى أن اعترفت لخطيبي بذلك ومن حبه لي صار يحضر لي علبة سجائر أدخنها بالسر، بعد زواجنا لم يعد الأمر عسيراً أصبحت أدخن بشكل علني حتى أمام أخوتي لكن احترامي لوالدي منعني من ذلك أمامه، حتى اليوم لازلت أدخن وأتذكر صعوبة الأمر في البداية أحياناً وأبتسم في سري، أما “الأركيلة” فكانت رغبتي في تجربتها ضئيلة لكني لم أحرم نفسي منها فكلما سنحت لي الفرصة لأخذ نفس خارج المنزل أو داخله لم أكن أمنع نفسي عنه».
كانت “مريم” ٦٣ عاماً، من مدينة “دمشق” تنتظر عودة زوجها من العمل ليتناول عشاءه وتبدأ بتحضير نفس “الأركيلة”، في بداية زواجها كانت الأركيلة بالنسبة لها سهر وتبادل أحاديث، لكن لم يكن ذلك متاحاً بالنسبة لها مع جاراتها وصديقاتها اللاتي كان أخذ نفس أركيلة في الهواء الطلق أمنية لهن، كان ذلك حكراً على الرجال (بسبب عادات المجتمع الدمشقي، حينها).
تعترف “مريم” أنها عاشت التجربة بالسر خلال مشوار مع صديقاتها في “التسعينات” إلى مطعم دمشقي في منطقة “الربوة” قامت الصديقات بطلب نفس “أركيلة” تقاسمنه وسط نظرات الزبائن الذين يرفضون مظهر امرأة تشرب “الأركيلة” في مجتمعهم على العلن، لكن لا يوجد مشكلة في ذلك إذا ما أركلت مع زوجها في ليالي السهر والسمر بحسب تعبيرها.
وتتابع حديثها قائلة :« حالياً أذهب مع العائلة إلى المنتزهات والمقاهي “وأخذ كم سحبة “أركيلة” لكن المعايير اختلفت فما يمنعني اليوم إصابتي بمرض إرتفاع ضغط الدم، وأمراض أخرى في القلب».
تتجنب “ياسمين” ٣٥ عاماً تدخين السجائر في أماكن عامة بمدينتها “اللاذقية”، وقد صارحها عدد من المقربين أن تتركها حتى تجد عريساً! تقول لـ”سناك سوري: «برأيي رفض المجتمع للعزباء المدخنة مرتبط بفكرة الفتاة المتحررة والمتمردة على عادات وتقاليد المجتمع والتي تحاول كسر القيود المرسومة حولها فالبعض يرى في تشعيل السيجارة نوعا من إغراء المرأة للرجل لهذا يرفضها بينما يسمح للمرأة المتزوجة بالتدخين خاصة أنها قد تحولت من سلطة الأب إلى سلطة الزوج!».
اقرأ أيضاً: اليوم العالمي لمكافحة التدخين.. الأسعار المرتفعة كافية لنبطلو!
«أنا مدخنة لفترة 15سنة، بشكل عام المجتمع ليس متسامحا مع الأنثى المدخنة ولكن “الأركيلة” أكثر قبولاً كنت أدخن الطرفين وتركت التدخين أول الحرب لأني شعرت أنه “بطر” ونحن حزانى»، بهذه الكلمات بدأت “سارة” ٤٠ عاماً من مدينة “حلب” حديثها مع “سناك سوري”.
وتضيف: «عندما كنت أسحب سيجارة باستراحة العمل كانت الزميلات تتهامس علي وبعض الزملاء يعتبروها “شي جاذب جدا” ومنهم من يعتبرني فاسقة! بينما ببساطة “اذا طلعنا سوا” يمكن أن “نأركل” بدون أحكام مسبقة. يعتبر البعض “الأركيلة” ترفيه ووجاهة بينما السجائر دخان “نظامي” وتشبه بالرجال».
تقول “نسرين” ٢٨ عاماً من مدينة “دمشق” :«السيجارة بالموروث دائماً كانت تضاف للسيدة سيئة السمعة وهذه أصبحت سمة بفترة من الفترات، لا زالت هذه النظرة لدى بعض المجتمعات خصوصاً عندما نبتعد عن المدن نحو الأرياف أما “الأركيلة” تؤخذ أحياناً على أنها تسلية وتغيير جو بينما السيجارة يرى البعض أنها تحمل إيحاءات».
وتضيف: «أعرف فتيات تدخن بالسر لأن أهاليهن يرفضون رؤيتهن وبيدهن السيجارة بينما ليس لديهم مانع أن “يؤركلوا” وهذا بسبب نظرة المجتمع خصوصا تأثير التدخين على فرصها بالزواج وهناك بعضٌ من الأهالي يحاولون تلطيف الحديث بالابتعاد عنه قائلين: “مشان صحتك يابنتي وانت لسا صغيرة”، لكن بداخلهم شعور نابع من عرف اجتماعي يرفض المرأة المدخنة. الهموم بالسنوات الماضية والحرب بتفاصيلها كانت باباً للعديد من السيدات نحو التدخين لتفريغ الحزن».
يذكر أنه وفقاً لما أعلنه “مدير التخطيط في المؤسسة العامة للتبغ” “سلمان العباس”، في 31 أيار 2020، فإن عدد المدخنين في سوريا يبلغ 4 ملايين ونصف مليون، مضيفاً أن 60% من المدخنين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً، وهم فقط من مستهلكي منتجات التبغ المحلية أو المستوردة بطريقة نظامية.
وبحسب إحصائية لـ”البنك الدولي” بلغ عدد سكان سوريا في عام 2018، نحو 17 مليون نسمة، ما يعني أن أكثر من ربع السكان من المدخنين.
اقرأ أيضاً: هل سمحت جامعة دمشق بالأركيلة في مقاهي الجامعة؟!