الرئيسيةرأي وتحليل

خلي روحك رياضية يا زلمي – ناجي سعيد

لماذا يلجأ مشجعو الفريق الرابح أحيانا لتكسير واجهات المحال والسيارات؟

أوّل كأس عالم صادَفته بعد البدء بالعمل مع الجمعية الألمانية، (منتدى خدمة السلام -forumzfd) كان في العام 2014، حيث بلغ الفريق الذي أُشجّعه (البرازيل) الأدوار النهائيّة دون هزائم، وفي الوقت عينه، وصلت ألمانيا بالطريقة نفسها (دون هزائم)! إلى أن التقى الفريقان في دور النصف نهائي، وكانت النتيجة قاسية على البرازيل، حيث هُزموا بسبعة أهداف مقابل هدف واحد.

سناك سوري-ناجي سعيد

ومن الطبيعي أن يكون السياق الرياضي منفصلاً عن السياق المهني في حياتي اليوميّة، فلا دخل لحياتي الوظيفيّة فيما أُحبّ وما أكره. فأنا أعمل بصفة “مدرّب” على المواضيع المُتعلّقة بتحويل النزاع والتعامل معه بالإضافة إلى موضوع التواصل اللاعنفي الذي أحترف تطبيقه في يوميّاتي.

بالعودة إلى “خبريّة” الرياضة، والمباراة التي اعتبرتها مشؤومة في مونديال 2014- لأنّي مُشجّع برازيلي- بالطبع أحزنني خسارة الفريق الذي أُشجّع، وعلى الرغم من أنّي مؤمن بمفهوم “قبول الخسارة”، لا أنكر أبدًا الدرس الذي تعلّمته من صديقي وزميلي في العمل الألماني الجنسيّة “بينيدكت”، فقد شاهدنا المباراة سويًّا. وحين انتهت المباراة، قال لي: hard luck، واكتفى بهذه المواساة. وفي الوقت عينه، لا أبالغ لو قلت إن معارفي وأصدقائي، بقيوا حوالي السنة وأكثر يتهكّمون عليّ “ويزرّكون” لي بالخسارة المشؤومة. ولست بصدد التعميم، بل أود الحديث عن نموذج تربّى على التحلّي بالروح الرياضيّة وقبول مفهوم الخسارة.

“الروح الرياضيّة” هي من قواعد التربية السليمة المُعتمدة لإعداد فريق رياضي أينما كان. وتحتاج هذه “الروح الرياضيّة” خطّة إعداد ذاتي يخضع لها اللاعب ليتحلّى بأخلاق رفيعة تكون الوازع الذي يتحكّم بانفعالاته ويسيطر على ردود فعله العنيفة، وخاصّةً أثناء خوض المباراة. ومن خلال بيئتي الخاصّة (المدرسة، الحيّ، الشارع..)، فإن استخدام مصطلح “الروح الرياضيّة” يقتصر على الأشخاص الذي يتدخلون لتهدئة جو من المشاحنة بين طرفين وهم على وشك الانفجار والبدء بمشكلة، قد تؤدّي إلى نزاع لا بل صراع. فيقول الوسيط للمتخاصمين: “خلّي روحك رياضيّة يا زلمي!” وبعدها بالطبع تحدث المشكلة، كأنّ شيئًا لم يكن. فالروح الرياضيّة حالة ناتجة عن موقف تربوي وجب أن يكون مُتجذّر تربويًا. بمعنى أنّ يتربّى عليه الإنسان في طفولته.

اقرأ أيضاً: مقاومة الفساد -ناجي سعيد

زميلي “بينيديكت” نشأ في بيئة تربويّة حاضنة ومتناغمة، حيث التنسيق بين المدرسة والبيت على أكمل وجه. بينما تربيتنا التقليدية، ولو سَلمت في البيت، فإنها لا تسلم في المدرسة. وبشكلٍ أدقّ فإنّ النظام التربوي عندنا هو نظام “تعليمي” بامتياز، وبالطبع هو خالٍ من التربية! فنظامنا التعليمي يُنتج أطبّاء ومهندسين وما شابه، دونما أخلاق عالية. الّلهم إلاّ من تعب أهله أو هو/ هي نفسه/ها في العمل على إعداد الذات تربويًّا.

لا أُبالغ لو قلت (وهذه تجربة) بأن الأندية الرياضية تساهم بقوّة في تكريس هذا العنف المعنوي. فقطبي كرة القدم في أي دولة عربية (دون استثناء) تحصر الجمهور بين الفريقين اللذين يحتكرا الصدارة بين المرتبتين الأولى والثانية. وإن طالت المنافسة فرق أخرى، فتكون بين ثلاثة وأحيانًا أربعة فرق! أنصار/ نجمة/ عهد، تشرين/ الكرامة/ الاتحاد، نصر/ هلال/ شباب.. وهذا الخيار انعكاس للتربية المدرسية التي تُخيّر الطالب بين إجابتين، فلو ابتكر إجابة ثالثة يرسب حتمًا! هذه الثنائيّة التربوية، تنعكس على الرياضة والمجتمع والسياسة، فلو لم تكن معنا فبالتأكيد أنت ضدّنا.

حين تتابع الدوري الإنكليزي، أو الإيطالي، أو إلى حدٍّ ما الإسباني المصبوغ بشعبية عربية واسعة حصرت المنافسة بين الريال وبرشلونة، تلحظ المنافسة التدويريّة، فمن الممكن أن يفوز فريق في المرتبة التاسعة على فريقٍ في المركز الأول. وهذا دليل صحّة وعافية. فبورصة تبادل اللاعبين الأجانب تحكمها براعة ومهارة اللاعب، وليس صدارة الفريق.

نعم العنف الرياضي يحتكر المراكز الأولى فيجذب المُتموّلين لشراء اللاعبين والاستثمار بهم لجني الأرباح. فتصبح الرياضة أسيرة المال، والروح الرياضية تضمحلّ عند الجمهور. وخلال إقامتي في السعودية للعمل، أدهشتني ظاهرة غريبة، وهي تكسير وتحطيم السيارات وواجهات المحلاّت من قبل جمهور الفريق.. الرابح، وليس الخاسر!! فهل من عالم نفس أو اجتماع يستطيع تفسير هذه الظاهرة؟.

اقرأ أيضاً: حق الحيوان بالعيش المحترم – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى