خلل الفصل في الاختلافات.. جودي ميكوفيتس نموذجاً – أيهم محمود

الإكراه على الصمت يعني إصابة نقطة موجعة عند صاحب قدرةٍ أو سطوة
أيهم محمود – سناك سوري
نشرت جودي ميكوفيتس كتاباً باسم “طاعون الفساد” تبعته بمادة بصرية تؤكد فيهما أن من يقف وراء فيروس كورونا المستجد هو أنطوني فاوتشي، وأن الفيروس تم العمل عليه في مختبرات نورث كارولينا التابعة لمعهد بحوث الجيش الأميركي للأمراض المعدية وأيضاً في مختبر ووهان المدينة الصينية التي انطلق منها الفيروس، وتدّعي ميكوفيتس أيضاً أن 30% من اللقاحات ملوثة بالفيروسات القهقرية وهي سبب أعراض عدة أمراض، لقد اتهمت الدكتورة ميكوفيتس سابقاً فاوتشي بأنه تسبب بسجنها خمس سنوات من دون تهمة محددة، وحُرمت بعد الإفراج عنها من حقوقها المدنية.
بعد هذا السرد المختصر:
ما هو الخلل الحقيقي في قضيتها؟.
الخلل هو ظاهرة الاستعداد المتصاعد لشعوب العالم لتقبل فكرة الديكتاتورية ويترافق هذا الاستعداد مع استمتاع كثير من الحكومات الغربية بعملية إعادة صياغة مفاهيم الأخ الأكبر في رواية 1984 لتناسب العصر الرقمي الحالي، لقد تم تمرير الكثير من هذه المفاهيم في قضايا اجتماعية منها قضية كورونا مع تجنبهم طرحها في الفضاء السياسي حتى انتهاء زمن التمهيد اللازم لها.
اقرأ أيضاً: التحولات الثقافية في عصر التشبيك الرقمي- أيهم محمود
عجز القرار السياسي والعلمي في كثير من الدول الكبيرة والفاعلة عن اتخاذ مسار مستقل عن المسار العالمي الذي قرره من اتهمتهم الدكتورة بخلق الأزمة وتصنيع الفايروس، لقد ولّد الاجماع الدولي في أزمة كورونا حقل جاذبية ضخم يصعب على الوحدات الصغيرة النجاة من قوة تأثيره والاستثناءات على ذلك نادرة، السويد مثالاً وبريطانيا قبل أن تعود وتخضع للانتظام العام.
ليس المهم هنا صحة آراء الدكتورة ميكوفيتس أو بطلانها بالكامل فهذا أمرٌ ميدانه العلم، وصراع الأفكار فيه لم ولن يتوقف لأن وجود هذا الصراع هو شرط بقائه وتطوره، لنتذكر أن علماء مرحلة تاريخية سابقة تشاركوا مع كثير من شعوب الأرض وهيئاتها الدينية في محاكمة غاليلو بتهمة نشر أفكاره الخاطئة الشاذة التي تضلل البشر، والمشاركة هنا رمزية أساسها الاعتقاد ببطلان ما توصل له غاليلو، أورد هذا المثال وليس في نيتي الإيحاء أن ما تقوله الدكتورة ميكوفيتس صحيح علمياً فما أريد قوله هنا لاعلاقة له بالمعركة العلمية التي تخوضها ولست في موقع يسمح لي بتقييم طروحاتها العلمية أو طروحات معارضيها سلباً أو إيجاباً، ما أرغب في قوله وبشكل واضحٍ وصريح هو أن الاختلافات العلمية لا يفصل فيها القضاء والسجون فهم أجهل الناس بها، الرد على طروحات الدكتورة ميكوفيتس يتم بالنشر العلمي المُحكَّم والشعبي أيضاً، أما هي فلها الحق في التعبير عما تشاء دون إكراهها على الصمت، الإكراه يعني دائما أنها أصابت نقطة موجعة عند صاحب قدرةٍ أو صاحب سطوة وأنه لايستطيع إثبات عكس ما تقول فانتهى إلى استخدام ما يبرع فيه وهو القمع وهذه هي خلاصة محاكمة غاليلو وهدفها الرئيس.
اقرأ أيضاً:طوبى لمن لم يفقد إنسانيته في هذه الحرب .. أيهم محمود
كثيرون أيدوا الحكم الصادر بحق الدكتورة ميكوفيتس واعتبروه خطوة صحيحة، أطباء، سياسيون، ومثقفون، مثقفوا محاكم التفتيش الحديثة الذين بدأوا يتقبلون بصورة متزايدة مبدأ التقاضي فيها، قد نتخيل للحظات أنهم على حق وأنهم فعلا يقومون بعمل هام ونوعي غايته زيادة الوعي البشري في هذا العالم لكن عندما نبحث عن انتماء الكثيرين منهم إلى تيارات دينية متناقضة متصارعة تنشر الكثير من الأفكار الطبية والاجتماعية الخاطئة وبعضها يتم برعاية حكومية نستنتج أن القضية ليست قضية وعي بل قضية استعداد متزايد للانتماء إلى فكرة الحقيقة المطلقة التي لا تقبل أي اعتراضٍ عليها، لا يمكن أن نفهم اعتبار الدكتورة ميكوفيتس خطراً مؤكداً على الوعي العلمي الأمريكي والعالمي ثم نهمل في الآن ذاته تواجد جماعة الأرض المسطحة الذين يسرحون ويمرحون في اليوتيوب والفيسبوك، ذكرت هذين الموقعين تحديداً لأنهما قاما بتأكيد التزامهم بحذف فيديو مقابلتها التلفزيونية الأخيرة من منصاتهم لأنها تضلل الناس!، ملايين الفتاوي الدينية و العلمية الزائفة ونظريات كارثية أخرى لم تخدش حياءهم العلمي وفجأة نرى الكثيرين و قد توحدوا في قضية وعي علمي وتضليل جماعي!.
يُعبّر قادة العالم الغربي بصورة متزايدة عن إعجابهم بالجوانب التنظيمية للأنظمة الدكتاتورية، هذا هو الحنين إليها الذي أرهقهم بعد عقود من الابتعاد عنها من أجل إظهار الفرق بينهم وبين الشيوعية التي كادت تصل إليهم وتطيح بهم، اليوم زال الخطر الشيوعي فلماذا لا يخففوا قليلاً من بعض إجراءاتهم الديمقراطية وهل هناك أفضل من قانون الجرائم الالكترونية لتحقيق ذلك؟ فقضية ميكوفيتس هي قضية نشر عام وليست قضية رأي علمي احتفظت به لنفسها.
الطريق إلى الشيطان الذي قاد للحرب العالمية الثانية يمر بهذه التفاصيل الصغيرة، والعالم اليوم يتهيأ لصعود ديكتاتوريات رقمية خطرة تختلف جذرياً عن الأشكال القديمة منها بالظاهر فقط لكنها لا تبتعد عنها كثيراً في المضمون، مازال الوعي البشري العام بعيداً جداً عن الديمقراطيات الحقيقية وبعيداً عن توقف حنينه إلى الأنظمة القمعية التي يروج لها مثقفوا النظريات المتناحرة بطرق ملتوية مخفية بعناية في خطابهم، الأجدى بهم قول الحقيقة كما في نفوسهم عاريةً من أي تجميل لإطلاق نقاش حولها يمكن أن يمتد عدة قرون! قبل أن تستطيع البشرية الخروج من النفق الذي دخلت فيه بإرادتها الحرة.
اقرأ أيضاً: هل ستعزلون أنفسكم مدى الحياة وهل ستعقمون كوكباً بحجم الأرض؟