الرئيسيةيوميات مواطن

خلف قرص الشمس الكثير من أسنان أطفال الرقة.. وأرواحهم أيضاً!

سناك سوري- عبد الهادي الحسن

جلست أتناول فطوري مع زوجتي الأجنبية وأطفالي الذين حاولت أن أغرس مدينتي الرقة داخلهم، فسافروا مراراً معي إليها بعقولهم، سافروا إلى الرقة التي أعرفها، وليس إلى الرقة داعش التي يعرفها العالم كله، كنت ألاعبهم وأحاول أن أطعمهم رغم تمنعهم تساعدني زوجتي، قبل أن تقفز طفلتي مذعورة: «بابا لقد وقع سني»، وفوراً وببديهية عالية أمسكت بها وقلت: «لا تخافي تعالي نرميه خلف الشمس ونغني لها لتعطينا سناً آخر أكبر».

أمسكتها بيدها الصغيرة وخرجت مسرعاً أبحث عن الشمس، أين هي، فم ابنتي امتلأ بالدماء، هي خائفة، وأنا أبحث عن الشمس، أين اختفت تلك الشمس التي أعرفها، فجأة تسمر بي الزمن، أنا لست في الرقة، الشمس هنا في بلد الاغتراب تكاد لا تظهر، ياله من رأس مشتاق، ألهذه الدرجة تملكني الحنين فلم أدرِ أين أنا رغم وجودي في أوروبا منذ سنوات!!!.

أمسكت يد طفلتي وتركت لزوجتي الغربية أن تحدثها عن جنية الأسنان وتغسل لها فمها، بينما أنا أغط في حنين عميق، تطور إلى دمعة خرجت ولم تعد، تماماً كما أني خرجت من الرقة ولم أعد، أتت طفلتي بعد أن هدأ زعرها، وبدأت أسرد لها، كيف كانت أمي رحمها الله تأخذني إلى أمام الشمس لنرمي السن اللبني ونغني “يا شمس يا شموسة خذي سني القديمة وعطيني سن الغزالة”.

وبينما كنا نغني انضمت زوجتي لنا بينما غادر طفلي الآخر إلى مدرسته، وهنا بدأت أخبرهم كيف كانت أمي وعند سقوط كل سن تعد طبقاً نسميه “السليقة” وهو مجموعة من الحبوب نضيف إليها الفطر والكركم والسمن العربي، حيث نقوم بتوزيع أطباق السليقة على الجيران، حين كان الخير وفيراً.

ودعت طفلتي وزوجتي وتوجهت إلى العمل وبقيت أغط في حنيني إلى الرقة، تذكرت كم من طفل جائع اليوم في مدينة الخير، تلك الشمس التي خبأنا وراءها أسناننا اللبنية، اليوم تخبئ خلفها أرواح أطفال كثر، قتلتهم الحرب والجهل والتخلف، يالرقتي الجميلة كيف أهدروا دمها وسكبوه بلا رحمة.

وصلت إلى العمل بعد أن قررت الاستيقاظ من حنيني كاملاً، لم أنجح، وجدت نفسي دون وعي أبحث عن الرقة في الإنترنت علّني ألتقط منها ذكرى جميلة لم تشوهها الحرب، قرأت خبراً عن اقتراب تحريرها من داعش، قفزت فرحاً، وصلت إلى الشمس التي لا تشرق هنا، لقد كنت هناك أقبل شمس الرقة، وأرواح أطفالها، وأسنانهم اللبنية، واعداً نفسي وحنيني أني سأكون أول الزائرين لها بصحبة عائلتي التي لا تعرف من الرقة سواي والكثير من ذكرياتي، مع القليل من ذاك السرطان المسمى داعش والحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى