جبل الشيخ.. يروي العطاش من عمامته البيضاء
جبل الشيخ يخبر الأهالي إن كانت الأمطار غزيرة أو شحيحة خلال الشتاء كل عام
لسوء حظ الجبال فهي مهددة هي الأخرى نتيجة العبث البشري بتغير المناخ والاستغلال المفرط لها، ومع استمرار اتجاه المناخ العالمي نحو التدهور، فإن سكان الجبال وخصوصاً الأفقر باتوا اليوم يواجهون صراعات أكبر من أجل البقاء، علما أن 15 بالمئة من سكان العالم يسكنون الجبال، وربع الحيوانات والنباتات البرية في العالم تعتبر الجبال موطناً لها، كما أن نصف البشرية تعتمد على المياة العذبة السائلة من قمم الجبال، لهذا جاء الـ11 من كانون الأول من كل عام يوماً دولياً للجبال اعتمدته الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على هذه الظاهرة الطبيعية الخيّرة لاعتبارها أحد العوامل الرئيسة للتنمية المستدامة.
سناك سوري – شاهر جوهر
وحين تُذكر الجبال في “سوريا” يقفز جبل الشيخ، أعلى جبال البلاد، نديّاً كصباحاته النديّة في حكايا السوريين وحياتهم.
كشيخ جليل زاهد يدثر جسده المقدس ثوباً رمادياً و الممتد من “وادي القرن”، في الجنوب الغربي إلى “وادي الحرير” في الشمال الشرقي، يحني رأسه المثقل بالثلوج كعمامة رجل طاهر، ويقال أن سكانه أسموه بجبل الشيخ نسبة للشيخ “محمد أبي هلال”، المعروف بالشيخ الفاضل، وهو أحد كبار الدعاة الأولياء الأتقياء.
تبدلت تسمياته عبر التاريخ، فأما اسم “حرمون” الذي يطلق عليه فهو عبراني الأصل ويعني “مقدّس”، وتروي الأساطير كملحمة جلجامش السومرية ذكر جبل “حرمون”، حيث قيل :«أرض جبل الأرز حرمون، هي أرض الخالدين»، وعلى هذا يُعتقد أن “جلجامش” قام باقتطاف زهرته الخالدة من جبل “حرمون”.
كما أسماه الأموريون “شنير” وسماه الفينيقيون “سيريون” وسماه الأشوريون “سفيرو”، كما عرّفه جغرافيو العرب بـ”جبل الثلج”، ومن تسميات جبل الشيخ أيضاً “أرض شوبا” نسبة لإله الحوري “شوب”، إله الهواء، هذا وقد جاء في تاريخ العرب أن الكعبة المشرّفة بُنيت من حجارة جلبت من خمسة جبال، كان جبل الشيخ المقدس أحدها.
اقرأ أيضاً: “أميركا” تسرق حق السوريين في أرضهم وهويتهم وتمنحه للاحتلال الإسرائيلي
يستطيع الزائر اليوم لأعلى قمة فيه (2،814م) التي تقع على الحدود السورية اللبنانية، أن يرى أماكن واسعة من “سوريا” ولا سيما “دمشق” وسهول “حوران” و “بادية الشام” و “الجولان” وقسماً من الحدود الشمالية الأردنية والفلسطينية، وتحديداً جبال “الجليل” و “الخليل” ومحافظة “إربد” وسهل “الحولة” وبحيرة “طبرية”، وكل جنوب “لبنان” وسهل “البقاع” وسلسلة جبال لبنان الغربية، كما يعد “جبل الشيخ” المنبع الرئيسي لنهر الأردن والعديد من المجاري المائية في المنطقة، وهذه الإطلالة خلقت أهمية استراتيجية وعسكرية دفعت لإثارة مطامع الأعداء لهذا لازال قسمه الجنوبي الغربي تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي.
يتكوّن جبل الشيخ من الحجر الجيريّ الجوراسي، كما تمتاز تربته بالعديد من العناصر، مما يسمح بزراعة أشجار ونباتات فريدة لا تضاهي الأشجار الأخرى وتشكل مصدر رزق للفلاحين والفقراء في تلك المنطقة، إذ تدل الآثار والحفريات على أن جبل الشيخ مليء بالغابات والأشجار، لهذا تعد المنطقة المنبسطة تحته منطقة زراعية خصيبة، يعتمد المزارعين فيها على ثلوجه المنحدرة ماءاً في رفد الآبار والينابيع والمسطحات المائية في الشرب والزراعة، لهذا كمية الثلوج التي يحتفظ بها في الشتاء هي مصدر رزق وحياة لسكانه.
كما أن السكان حتى هذا اليوم لازالوا مرتبطين به في تقدير وضع المناخ واختيار نوع المحاصيل التي يرغبون في زراعتها. فمثلاً لازال كبار السن يقيّموا وضع الشتاء كل عام بمتابعه سفوح جبل الشيخ، فإن تغطت بالثلوج في وقت باكر فهذا دليل على عام ممحل وفيه الماء قليل، وعليه يتم اختيار محاصيل لا تحتاج إلى مياه وفيرة للزراعة، فتنشط زراعة الفول مثلاً والمواسم الشتوية ذات الدورة القصيرة.
وأمام هذه المكانة الدينية والتاريخية والثقافية ولارتباط السكان به في معيشتهم وأساطيرهم تم إدراج “جبل الشيخ” على قائمة التراث العالمي من قبل منظمة “اليونسكو”، ليستحق اليوم أن نسلط الضوء عليه كأحد الجبال العالمية التي ينبغي أن يستهدفها اليوم الدولي للجبال.
اقرأ ايضاً: الاحتلال الإسرائيلي يخلي منتجعات “جبل الشيخ” مخافة رد سوري!