تمييز العاصمة .. المركزية السلبية المفرطة – أيهم محمود
يقول الدستور أن السوريين متساوون بالحقوق والواجبات

ساوى نظام التقنين المُعلن عنه مؤخراً بين كل مدن سوريا باستثناء العاصمة، وللدقة بعض أحياء العاصمة فقط وفق المعلومات التي تصل لنا عن طريق أصدقائنا في مواقع التواصل الاجتماعي.
سناك سوري-أيهم محمود
لا نعلم ما هي الأسس التي أثبتت بالدليل القاطع أن مواطن العاصمة أهم من مواطني الدرجة الثانية والثالثة والرابعة في بقية المدن والمناطق -وفقاً لتصنيف الدوري الكهربائي السوري- لكي يحصل القاطن فيها على ضعف كمية الكهرباء على الأقل.
ما هي المعاني الكامنة في عبارة الاستثناء هذه والتي تبدو بسيطة وعفوية في ظاهرها؟، تعني حصول سكان المنطقة الاستثناء على ضعف القيمة المالية للدعم الحكومي المقدم في هذا القطاع على الرغم من أن جميع سكان مناطق سوريا يدفعون نفس النسبة من ضريبة الدخل، جباية الضرائب إضافة إلى موارد البلاد وثرواتها الأخرى هي مصدر التمويل الأساسي لإنشاء المشاريع الكبرى ومنها مشاريع الكهرباء.
تعني ضعف كمية الانتاج الفكري والاجتماعي، وتعني تزويد نسبة صغيرة من السكان بدعم إضافي من موارد الدولة لكي يتفوقوا بها على أقرانهم في بقية المحافظات، فهي تضمن لهم أجور إنتاج أقل من نظيرتها لدى الآخرين، وتضمن لهم أيضاً استمرارية تأمين خدماتهم في المهن الفكرية المختلفة مع ضمان وضع العصي في الدواليب وصولاً إلى تحقق العجز التام عن تأدية المهام بالنسبة لمن يصل التقنين لديهم مع فضائل الحماية الترددية إلى أقل من نصف ساعة عشوائية كل ست ساعات.
تعني ضعف الزمن على الأقل أو ربما أربع أو خمس أضعاف الزمن المتاح لمن يريد التعلم وتطوير نفسه علمياً ومعرفياً ومهنياً، هو الحكم الواضح القاسي على أبناء بقية المحافظات بالجهل والعجز لأنهم فقط ليسوا من سكان العاصمة.
اقرأ أيضاً: أوهام الإنجازات العظيمة .. سِجن الحكومات – أيهم محمود
تعني في موجة البرد القاسية الحالية: ضعف الأذى لمواطني الدرجة الثانية، ضعف ارتجافات البرد، ضعف ألم الأطفال، ضعف عجزهم عن القيام بأي عمل مفيد، ضعف الخيبات، وضعف الألم والقهر.
أذكر في السبيعينات من القرن الماضي قريتي وهي على بعد عشرين كيلومتراّ من مدينة اللاذقية بلا كهرباء، أذكر أيضاً سفري إلى دمشق من أجل إجراء عملية جراحية بسيطة، خلل التنمية والخدمات دفع أهل الريف إلى النزوح الجماعي باتجاه المدن، هذا النزوح هو أحد أهم أسباب أزمتنا الاجتماعية الحالية، وأحد أهم الأسباب في مسألة نقص مواردنا من الغذاء المنتج محلياً.
عقلية تركيز الخدمات في المدن أدت إلى نشوء تجمعات بشرية كبيرة يصعب تأمين موارد حياتها من البيئة المحلية المحيطة بها دون صرف كميات غير مبررة من الطاقة المرتبطة في فترات سابقاً بتوفر النفط الرخيص، أستشهد بمشروع جر مياه الساحل من طرطوس وبانياس إلى مدينة دمشق والذي توقف لأسباب تتعلق بالجدوى الاقتصادية لضخ المياه إلى ارتفاع منطقة النبك ثم بعدها إلى دمشق العاصمة، نحمد الله على توقفه فلو تم تنفيذ المشروع لكانت معاناة من سيعتمد عليه كبيرة للغاية لأن أزمة الوقود الحالية أو تعرضه لعدوان عسكري – عليه أو على أنظمة توليد الطاقة اللازمة لنقل المياه- تعني كارثة حقيقية لأمن العاصمة المائي.
في نقاش مع صديقة قالت لي فيه أنها عجزت عن إقناع زميلة لها تعيش في أحد العشوائيات في دمشق بالعودة إلى قريتها في الساحل السوري ومحاولة الاعتماد على أرضها في تحسين ظروف حياتها الصعبة، في الواقع زميلتها على حق وهي تملك رؤية استراتيجية للمستقبل أيضاً، هي تدرك أن العقلية السورية راسخة وجامدة ولن تتغير، وأنه يوجد دائماً ما يبرر البقاء في دمشق ولا أقصد هنا مسألة الكهرباء بل أقصد حالة تركيز الكثير من الخدمات في العاصمة.
أشير أيضاً إلى إمكانية تعميم الفكرة على بقية المحافظات في علاقتها بالأرياف كحالة تركيز المستشفيات في مدينة اللاذقية في مقابل وجود شريط من الريف يمتد شمال غرب المدينة يصل إلى كسب دون مشفى حكومي يخدم سكانه، يمكن الإشارة أيضاً إلى الفرق بين أحياء اللاذقية نفسها في مسألة تطبيق الحماية الترددية واستقرار الكهرباء فيها في فترات التزويد الشحيحة المخصصة للمحافظة.
كل هذه الرسائل التي نظن أنها بسيطة وغير مضرة تعزز استمرار أسباب الأزمة الاجتماعية وبقائها على ما هي عليه الآن، تعني أن الأم التي ترعى أبناءها تمنح ذو الصحة منهم ضعف كمية الغذاء المخصصة لإخوته، بينما تمنح بقية الأجساد النحيلة من أولادها نصف حصة أخيهم المدلل رغم حاجتهم لها أكثر منه، لا يطالب الأبناء هنا أمهم بضعف الحصة من الطعام بل يطالبونها بالمساواة والعدل فيما بينهم كي يستطيعوا الاستمرار على قيد الحياة وقيد الوجود، وكي لا يتم الحكم عليهم بالإعدام العلمي والثقافي الذي سيتبعه حتماً خلل واضح في مقدار الدخل المالي الوارد إلى الأُسر التي مُنعتْ عمداً وقهراً من التعلم ومن تطوير المهارات اللازمة للمنافسة في سوق العمل.
هامش: هذه المشكلة جذرها العميق كامن في عقلية المركزية الشديدة التي تدار البلاد بموجبها والتي أساءت للمحليات وهمشتها وهشمتها وضعفتها حتى صارت العاصمة قُبلة والريف نقمة، وما بينهما لاقرار له.
اقرأ أيضاً: ما هو المال وماسبب وجوده؟ – أيهم محمود