أخر الأخبارالرئيسيةسناك ساخن

بعد 19 عاماً الأسد يعود إلى الصين… ما هي أولويات بكين من دمشق؟

تحديات الصين في سوريا بظل التواجد الروسي الإيراني.. وتأثير الحل السياسي على التدخل الاقتصادي

يزور الرئيس السوري بشار الأسد الصين للمرة الأولى منذ 19 عاماً. وتهدف الزيارة لحث الصين على تدخل اقتصادي فاعل في سوريا التي تحاول منذ 12 عاماً التوجه شرقاً. بالمقابل تتريث الصين كثيراً في توجهها نحو سوريا فما هي أولويات الصين من دمشق؟. كيف تقيم العلاقات بين سوريا والصين؟ ماهو موقف الصين من الأزمة السورية والحل السياسي والتدخل الاقتصادي في سوريا؟.

سناك سوري – بلال سليطين

أعلنت الرئاسة السورية رسمياً أن الأسد سيتوجه إلى الصين برفقة السيدة الأولى لعقد مباحثات قمة مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ”. ويرافق الرئيس السوري وفد اقتصادي وسياسي رفيع المستوى في محاولة لتحويل خطاب التوجه شرقاً إلى واقع عملي.

الرئيس بشار الأسد يزور الصين

خطاب التوجه شرقاً حديث الولادة يأتي بعد عقود من التوجه غرباً. فلطالما كان هوى سوريا أوروبياً خلال المئة عام الأخيرة على الأقل. ولطالما أرادت الانفتاح على أوروبا والتقرب منها وانفتاح أوروبا عليها. وكانت تنظر للدول الأوروبية على أنها وجهة للتصدير والتبادل الاقتصادي والاستفادة من المواقف السياسية وحث الأوروبيين ليكونوا داعمين لمواقف سوريا السياسية. ويتجلى ذلك بمشروع الشراكة السورية الأوروبية 2000-2010 واتفاقيات التوأمة بين المدن السورية ونظيرتها الأوروبية. الدور الأوروبي في تطوير ودعم أجهزة الأمن السورية بالمواد اللوجستية خصوصاً فرنسا.

ومعظم الزيارات الدبلوماسية السورية على مستوى الرئاسة والخارجية كانت تتجه غرباً. ونادراً ما اتجهت شرقاً بالمناسبة وحتى عندما اتجهت شرقاً كانت نتائجها شبه معدومة. بمعنى أن الاتفاقيات كانت تبقى شبه حبر على ورق ولا يتحقق منها إلا أجزاء بسيطة غير مؤثرة.

العلاقات بين سوريا والصين.. هل هي استراتيجية؟

حتى نصف العلاقة بين بلدين أنها استراتيجية فيجب أن يلتقي رؤساء البلدين بانتظام ويتبادلان الزيارات. كما يجب أن يلتقي وزراء الخارجية بشكل دوري ويكون هناك تبادل اقتصادي وتنسيق وتشاور سياسي ووإلخ.

وبالتالي فإن العلاقة بين سوريا والصين لا يمكن وصفها بالاستراتيجية. فآخر زيارة للرئيس السوري بشار الأسد للصين كانت عام 2004 بينما لا يوجد زيارة مقابلة للرئيس الصيني لسوريا.

خلال الزيارة قالت القيادة السورية آنذاك للصين:«نقوم حالياً بإصلاح واسع الحجم في البنية التحتية. وترحب الحكومة السورية بحضور المؤسسات الصينية إلى سوريا للاستثمار وإنشاء المصانع ومشاركة أعمال البناء الاقتصادي السوري». وقد تم توقيع اتفاقيات عديدة بين البلدين بينها مثلاً ما هو على صعيد السياحة.

إلا أن الدعوة السورية لم تلقَ استجابة صينية كبيرة، فلم نجد شركات صينية تستثمر في سوريا ولا مشاريع صينية في البلاد. بل وجدنا بضائع صينية في الأسواق السورية. وبعض المستشارين الصينين الذين ساعدوا مثلاً في تطوير معمل غزل جبلة. بينما على صعيد السياحة بقيت نسبة السياح الصينيين لسوريا منخفضة جداً.

على صعيد آخر فإن وزير خارجية الصين زار سوريا مرة واحدة خلال 13 عاماً. بينما زيارات الدبلوماسية السورية للصين تكاد تقتصر على المستشارة بثينة شعبان وهي زيارات ثقافية وحزبية أكثر منها سياسية.

كيف يعبر الفيتو الصيني بالأمم المتحدة عن موقفه بالملف السوري؟

هذا كله يعكس أن الصين لديها اهتمام محدود بسوريا يمكننا أن نسميه تقارب “المواقف السياسية” في مواجهة الغرب. ويتجلى ذلك في موقف الصين بالأمم المتحدة والتي كانت في أغلب الأوقات تمتنع عن التصويت وبمواقف معينة تستخدم حق النقض الفيتو. ويحكم موقفها درجة المواجهة مع الغرب في لحظة التصويت ونوع الملف الذي يتم التصويت عليه. بينما على العكس كانت روسيا حاسمة بموقفها باستخدام الفيتو وحاسمة بموضوع التدخل العسكري واعتبار سوريا أرض مواجهة عسكرية مع أميركا وحلفائها.

لذلك نجد الصين تستخدم حق النقض الفيتو في مشاريع القرارات التي من شأنها أن تؤدي لتغيير النظام السياسي في سوريا التي يتخذ خطاً سياسياً مناسباً لها. بينما تمتنع عن التصويت في ملف إدخال المساعدات العابرة للحدود رغم أن دمشق تعتبره انتهاكاً لسيادتها.

هل الصين غير مهتمة بسوريا؟

هذا لا يعني أن الصين لا تريد شيئاً من سوريا لكنها تدرك أنه لم يعد هناك الكثير في سوريا لتتدخل به. مثلاً النفط تستثمره أميركا وتحاول دمشق استعادته منها. بينما روسيا وإيران تستثمران المطارات والمرافئ والفوسفات..إلخ

وبالتالي مجالات التدخل والاستثمار الرئيسية المتبقية لها تتمثل في قطاع النقل السككي وشبكة المواصلات وهذه المشاريع تطلب استقراراً مستداماً وأماناً. فالصين لم تستثمر في أي مكان بالعالم يمكن أن تخسر فيها. وعدم الوصول لاستقرار سياسي وأمني في سوريا يعني أن الصين لن تدخل بسوريا اقتصادياً إلا بمشاريع محدودة.

فعلى سبيل المثال إذا كنا نتحدث عن الحزام والطريق كيف يمكن للصين دعم شبكة سكك حديدية تمر عبر أفغانستان وباكستان وإيران ثم العراق. وعندما تصل إلى سوريا ستجد في طريقها عند الحدود الجيش الأميريكي وبعده قوات إيرانية ثم جيش روسي فخلايا داعش النائمة وميليشيات وفصائل مسلحة..إلخ. هذا غير وارد بالنسبة للصينيين.

ماذا تريد الصين من سوريا لكي تدخل اقتصادياً؟

إن كل الحديث عن التوجه شرقاً لم ينتج شيئاً خلال 12 عاماً. وكل البروباغندا التي رافقت زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق 2021 لم ينتج عنها شيء أيضاً. فلا الاستثمارات آتت من الصين ولا حتى المعدات ولا تغيرت الأوضاع الاقتصادية… فالصين تريد حل سياسي قبل الذهاب بعيداً في علاقتها مع دمشق.

وملف الحل السياسي ستفتحه الصين مع القيادة السورية خلال الزيارة القادمة، فهي تريد أن يُبنى الاستقرار حتى يبنى التدخل. وبرأي الصين إن الخروج من الوضع الراهن يحتاج مبادرة سياسية يمكنها صناعة الاستقرار. ولطالما كانت الصين واضحة في هذا الموضوع. وكل الدبلوماسيين الصينيين الذين التقيت بهم كانوا دائماً يتحدثون عن أولوية الحل السياسي وبناء الاستقرار ثم الحديث عن المشاريع الاقتصادية للشركات الصينية.

تقول الصحفية الصينية المتخصصة بالعلاقات الصينية العربية “وانغ شينغ” في حديث سابق معها أن مسار التدخل الصيني الاقتصادي في سوريا طويل جداً ومعقد. لكنه مرهون قبل كل شيء بتحسن الوضع الأمني واستقراره.

الصين عملاق اقتصادي… يبتلع أيضاً المرافئ والبنى التحتية الوطنية

الصين ليست دولة مانحة مثل دول أوروبا، وهي لا تدفع أموالاً في الملف السوري إلا ما قل وندر.  وبالتالي هي لا تدفع قرشاً واحداً دون ضمانات له (ولا نتحدث هنا عن بضع مساعدات على شكل لقاحات) بل نتحدث عن تدخلات حاسمة.

هي تحب منح القروض مثلاً ولديها تجارب في كينيا وسيرلانكا منحت قروض لسلطات فاسدة لم تستطع سدادها فاستولت على الموانئ بالمقابل. وهذا خطر قد تواجهه سوريا في حال اقترضت من الصين قبل إيجاد حل مستدام للملف السوري وقبل وضع حد للفساد أيضا.
هذا كله يقودنا إلى أن العلاقة بين سوريا والصين بعد عام 2011 هي حالة حب من طرف واحد. بينما الصين تضبط علاقتها مع سوريا على ساعة مصالحها وأولوياتها. وهي لا تريد للسياسة السورية أن تتغير لكنها أيضاً ليست مستعدة لبذل الكثير لتغيير واقع سوريا الاقتصادي وهي لا تخاف على مشروع الحزام والطريق فهناك بدائل كثيرة ويكاد يكون اهتمام الصين اقتصادياً بالغابون أكبر من اهتمامها بسوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى