بشرة كيندا السمراء عرّضتها للتنمر واتهامها بأنها ليست ابنة والدها
قصص سوريّات مع التنمر.. "شفتي كيف هالبنت سودة لأن ماعم تتحمم؟"
عاشت “كيندا” 30 عاماً مترجمة ومدرّسة لغة إنكليزية، تجربة تنمر مؤلمة منذ طفولتها. حيث ولدت ببشرة سمراء بينما عائلتها ببشرة بيضاء ما عرّضها إلى التنمر. والمعاناة من عدم تقبل المجتمع لها كذلك التشكيك بأنها ابنة والدها. لتكون تجربة كيندا واحدة من آلاف قصص التنمر في المجتمع السوري.
سناك سوري-ريم بدره
لم ترحم القوالب المجتمعية وألسنة البعض كيندا من الكلمات الجارحة وعدم التقبل الاجتماعي لها. حتى في إطار عائلة رفض أفرادها خلال اجتماعاتهم التعامل معها، وتهامسوا بين بعضهم بعبارة : “الله يعين أهلها ما رح تنفق”، كما قالت الفتاة الشابة لـ”سناك سوري”.
في إطار المدرسة تعرضت “كيندا” لمزيد من التنمر والرفض، واستخدمتها إحدى الأمهات كمثال لأشخاص لا يهتمون بنظافتهم الشخصية. فحذّرت ابنتها البيضاء من التشبه بها بسبب لون بشرتها “شفتي كيف هالبنت سودة لأنها ما بتتحمم”.
تقول كيندا: «هالجملة كتير أثرت فيني لدرجة صرت بس بدي أتحمم أفرك حالي لحتى أنجرح على أمل أخلص من لون بشرتي. وبس يطيب الجرح خبرهم أنو لوني أبيض، وضليت على هالحالة لخلصت مدرسة».
لم تكن كيندا تدرك في صغرها أنّ ما تعرضت له يسمى تنمر. إلا أن شعورها بعدم تقبل من حولها لها وقلة الحب من محيطها بسبب لون بشرتها أثّر عليها لفترة طويلة. قبل أن تتمكن من تجاوزه إلى حد ما بدعم أهلها.
أحد المواقف التي اعتبرتها كيندا طريفة رغم انطوائها على ألم مسّها. أن إحدى السيدات التي تقدمت لخطبتها لابنها رفضت القدوم لمنزلهم بعد أن علمت لون بشرتها. وفضّلت “معاينة” العروس “بشي سوق” بدلاً من زيارة بيتهم، كونها لم تطابق معايير الجمال التي تبحث عنها “أم العريس”.
في إطار المدرسة تعرضت “كيندا” لمزيد من التنمر والرفض، واستخدمتها احدى الأمهات كمثال لأشخاص لا يهتمون بنظافتهم الشخصية. فحذّرت ابنتها البيضاء من التشبه بها بسبب لون بشرتها “شفتي كيف هالبنت سودة لأنها ما بتتحمم”
ولا يخلو المجتمع السوري من قصص التنمر، خصوصاً في المدارس بين الطلاب ما يؤدي إلى نتائج وخيمة مستقبلاً. ربما لا يدركها الأهل اليوم.
حالات اضطررت إلى العلاج النفسي
الأخصائية النفسية في مبادرة “البعبع” (تستهدف رفع الوعي لدى الشباب واليافعين حول مخاطر التنمر)، “شذى عبد اللطيف”. شاركت مع سناك سوري بعض قصص نساء تعرضن للتنمر واضطررن للجوء إلى أخصائي نفسي بحثاً عن الدعم.
الحالة الأولى كانت لسيدة في العقد الثالث، تزوجت وانتقلت مع زوجها إلى محافظته التي تختلف في العادات والتقاليد والبيئة الاجتماعية التي عاشت فيها. ما عرّضها للتنمر من قبل الزوج وعائلته، وجعلها محط سخريتهم واستهزائهم الدائم. بسبب اختلاف ثقافتها الاجتماعية عنهم، وبالتالي انخفض تقديرها لذاتها، وفقدت ثقتها بنفسها. خاصة مع عدم وجود اشخاص ايجابيين داعمين في محيطها.
فالبيئة المحيطة لها كانت مصدر إساءة لها. ما شكّل لها نوع من العزلة الاجتماعية والخجل من عاداتها التي تختلف عنهم، وبعد الاستشارة والجلسات تعرّفت على الطرق التي تساعدها في تعزيز ثقتها بنفسها. وقدرتها على التكيّف والتعامل مع البيئة المحيطة بها بطريقة لا تنطوي على إساءة قد تنعكس عليها.
وفي حالة أخرى، امتلكت إحدى السيدات ندوباً نتيجة حرق في يدها. الأمر الذي عرّضها للتنمر، فكانت ردة فعلها إخفاء مكان الندبة وارتداء القفاز بشكل دائم. كما أدى التنمر إلى خوفها من التواصل مع المحيط خوفاً من تعرضها لمزيد من التنمر.
التنمر أحد أوجه العنف
تقول “شذى عبد اللطيف”، أن التنمر أحد أشكال العنف التي تُمارس من قبل شخص أو مجموعة أشخاص ضد شخص آخر. ويمكن أن يأتي بشكل تهديد أو إساءة نفسية وأحياناً يصل إلى درجة الهجوم البدني واللفظي.
أي شخص يمكن أن يتعرض للتنمر، وللتمييز بين بعض الممارسات السلبية والتنمر، نوهت الأخصائية النفسية أن الأخير يعتمد وجوده على ثلاثة معايير (التعمد، والتكرار، واختلال القوى بين الطرفين) .
آثاره
وتعتبر آثار التنمر كارثية على بعض الأشخاص وتتفاوت بحسب طبيعة الشخصية ومدى قوتها. ويمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس وقلة التفاعل الاجتماعي. والخوف من مواجهة المجتمعات الجديدة واضطرابات التأقلم.
وبحسب الأخصائية النفسية، فإنه يمكن أن يؤدي إلى القلق ومشكلات النوم، وهي مؤشرات انخفاض المزاج والاكتئاب. التي قد تصل لدرجة محاولة إيذاء الذات والانتحار.
إلى جانب الناحية النفسية أكدت الأخصائية أن للتنمر تأثير على الناحية الجسدية فقد يعاني البعض من الصداع والأرق. وصعوبة بالتنفس، وأمراض جلدية قد تحصل بسبب الحالة النفسية.
كيف نحوّل التنمر إلى دافع إيجابي؟
وبينت “شذى عبد اللطيف” أنه لنحول تأثير هذه السلوكيات السلبية لدافع إيجابي، لا بدّ أن نمتلك الوعي الكافي بكيفية التعامل مع هذه السلوكيات. وحماية أنفسنا من التأثر بها من خلال التواجد ببيئة آمنة وصحية.
وأضافت، أنه في حال لم نمتلك البيئة الإيجابية الداعمة، لا بد من اللجوء لاختصاصي، يساعدنا في حماية أنفسنا من التأثر بأي من تلك السلوكيات السلبية. ومواجهة التنمر بشكل فعال، أو على الأقل، التخفيف من آثاره السلبية على الصحة النفسية.