الرئيسيةرأي وتحليل

المواطن المُحاط بالفساد والعنف – ناجي سعيد

بيئة الكراهية والفساد... لايمكن أن تنتج السلام المُستدام

سناك سوري-ناجي سعيد

لا يهمّ أن نعرف قصة المثل الشعبي القائل: “من جرّب مجرّب، كان عقله مخرّب”. فالمطلوب هنا الآن هو المعنى. وببساطة يلتقي هذا المثل بمعناه مع ما قاله آينشتاين: من الحماقة أن يعيد الإنسان التجربة نفسها ويتوقّع نتائج جديدة. والفرق بين مقولة آينشتاين وما أودّ التكلّم عنه الآن، هو “السياق”.

ففكرة آينشتاين كانت بسياق علمي. ففي الكيمياء يستحيل أن تتغيّر نتيجة مزج جسمين مختلفين بهدف إيجاد جسم جديد. وتكرار التجربة، بالتأكيد لن يغيّر النتيجة مع الخطوات نفسها. وما أوّد الحديث عنه هنا ينضوي في سياق اجتماعي إنساني وقِيمي، فليست مشكلتي تجربة علمية، يقتصر فشلها على الإخفاق في إيجاد اختراع أو اكتشاف شيء ما. لكن المستوى المقصود، الإنساني والاجتماعي، إذا ما أخفقنا بخطوة في مساره، فيحدث خَلَل في الرحلة الإنسانية كما اتّفقنا على تسميتها.

فلو كانت المُهمّة تُشبه “صعود سُلّم”، فالإخفاق يُشبه انكسار درجة من السُلّم، فينتج عن هذا ما لا يُحمد عُقباه. وفي عودةٍ للواقع، دائمًا ما أُصرّح بأنّ شخصيّتي إيجابيّة، حيث ما يميّز تفكيري بشكل عام، بأنّي لا أسيء الظنّ ولا أحكم مُسبقًا على أحد. ولكن واجهتُ حقيقة المثل الشعبي المذكور أعلاه: مين جرّب مجرّب.. ولكي أتصالح مع نفسي وأكون راضيًا عن إيماني باللاعنف، وبما كتبه “جان ماري مولر” في كتابه “نزع سلاح الآلهة”، بأن طبيعة البشر خَيّرَة، حافظت بداخلي على حُسن الظنّ بالآخرين. معارضًا بذلك الطبيعة البشرية، ولكنّ ليس التي آمن بها فلاسفة اللاعنف. فهم يؤمنون بالطبيعة الخيّرة للبشر، لكنّ إيمانهم بهذا، بقي نظيفًا، لأنّه وبالتأكيد، لم يشوبه أي مشكلة من واقعنا الآن.

طبيعة البشر خيّرة، إذا لم تواجه حكومة فاسدة تتفاخر في سلب حقوق المواطنين! نعم والمُستغرب الآن هو كيف أنّ الدستور يعطي كامل الحرّية لأيّ مواطن بأن يُعبّر عن رأيه، والقانون يحمي هذه الحقوق، ويأتي مواطن آخر يخرق قدسية الدستور ليمنع الآخر من التعبير عن الرأي، إلى درجة إلغاء الرأي الآخر، لا بل إلغاء الآخر برمّته!! لست “سرحان عبد البصير” ذو القلب الطيّب البريء الذي أقصى ما يستطيع قوله عن الأخرين: “هيًّ الناس وُحْشة كده ليه يا بيه؟” فأنا أتوقّع نوايا الناس الشرّيرة وآخذ حذري من هذا، ولكن واقعيّتي لا تُلغي إيماني باللاعنف وإيجابيّتي في الحياة.

مقالات ذات صلة

اقرأ أيضاً: ماذا تعرّفون عن مفهوم العنف بالتسلسل؟ – ناجي سعيد

حين يتدخّل العنف بأنواعه كافّةً، يُلغي أي مجال للتواصل بين المُعتدِي والمُعتدَى عليه، والمشكلة التي حصلت يوم الخميس في لبنان، غريبة بعض الشيء! طرف حزبي سياسي اعتدى على طرف سياسي آخر اختار التعبير عن رأيه بطريقة سلميّة، ولكن المشكلة الكبرى التي يصعُب حلّها فورًا (لذا يأتي التدخّل الخارجي)، بأن الاعتداء المذكور تمّ بواسطة السلاح، وتمّ القنص من فوق أسطح المباني على المتظاهرين سلميًّا! والطامّة الكبرى، فيما حصل بعد الاعتداء السافر، حين شَرَع المُعتدَى عليه إلى اتّباع شريعة حمورابي (العين بالعين..)، وفجأة ظهرت المجموعات المُسلّحة الداعمة في الشارع السلمي، بأسلحتها ليسفر التحرّك السلمي للتعبير عن الحقوق المسلوبة عن اشتباك أسقط 6 ضحايا والعديد من الجرحى.

أذكر هنا ما كتبه “أمارتيا صن” (أستاذ الفلسفة بإحدى جامعات بريطانيا) في كتابه “الهويّة والعنف” عن سلبيّة مفهوم التضامن، فالتضامن الذي يحدث داخل جماعة ما، يُنتج في الوقت نفسه كرهًا وحقدًا للجماعات الأخرى المختلفة عنها. و في لبنان بظل الفساد المُستشري، وسلب المواطن أبسط حقوقه، فنحن أمام بلد محاط ببيئة من الكراهية من جهة وبيئة سياسية فاسدة تحض على العنف وتنتهجه في سلوكها على اختلاف مسميات الأحزاب والقوى في هذه البلاد فجميعهم في السلطة الحالية أو السابقة لديهم نفس النهج “العنف” الذي يدمر البلاد ويجعل من أطفال ينتظرون عودة أمهم من عملها “يتامى إلى الأبد” في بلد يتيم أيضاً من سلطة مخلصة له تحمي أبناءه من العنف وتفكك بيئته ليكون لنا جميعاً مستقبل مشترك فيه بصيص أمل.

اقرأ أيضاً: حادثة طرطوس ربما تكون نتيجة لتربية يلي بيضربك اضربو – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى