شكلت هجرة السوريين إلى مختلف دول العالم بعد عام 2011 فرصة لإنشاء سوق هائل على مستوى العالم لتصدير المنتجات السورية. والتي وصلت من دمشق إلى القارات الخمس ومازال الطلب عليها يزداد كل عام. ما يشكل فرصة استثمارية إيجابية تنبثق من عتمة الحرب وابتعاد السوريين المُحزن عن بلادهم.
سناك سوري– بلال سليطين
لو بحثت اليوم في معظم المتاجر بالعاصمة السورية فإنك بالكاد ستجد “شيبس ديربي” وهو من المنتجات السورية التقليدية التي كبر على استهلاكها عدة أجيال في الألفية الماضية. بينما بإمكانك أن تجدها في جميع المتاجر السورية في أوروبا بل وتراها تتصدر الواجهة في بعضها، وتتموضع إلى جانب أشهر الماركات العالمية في المحال العربية بأوروبا.
لقد خلقت الحرب أسواقاً جديدة للمنتجات السورية حول العالم. وفي ألمانيا وحدها أحصى سناك سوري قرابة 50 متجراً سورياً خالصاً بينما في فرنسا يصل العدد إلى قرابة 35. ناهيكم عن تواجد هذه المنتجات في المتاجر العربية التي تضم مختلف الأطعمة والمواد الاستهلاكية من مختلف دول العالم العربي.
اقرأ أيضاً: خصخصة الكهرباء وحق الإنسان السوري بعيش كريم – بلال سليطين
كثافة نقاط بيع المواد الاستهلاكية السورية في العالم عائد لموجة الهجرة الكبيرة التي شهدتها البلاد بعد عام 2011 نتيجة الحرب. وكذلك نتيجة انعدام فرص الحياة والاستقرار في بعض المناطق داخل سوريا. الأمر الذي حذا بالكثيرين للهجرة مصطحبين معهم عاداتهم الاستهلاكية التي يبدو أن معظمهم لم يغيرها.
المكدوس على رأس القائمة
ويُعد المكدوس الشهير أبرز المنتجات السورية المستهلكة في العالم، حيث يتم إعداده وتعبئته في أوعية بأحجام مختلفة تناسب خيارات المستهلكين واحتياجاتهم من الكميات وبيعه بأسعار تصل إلى 10 يورو لكل 1 كغ. وهو سعر يعادل قرابة 4 أضعاف سعره محلياً ما يوفر هامش ربح كبير للمصنعين والمصدرين ويعود بالفائدة على المزارعين الذين يزرعون المنتجات اللازمة لصناعته.
المتة صديق الهجرة
في الدرجة الثانية للاستهلاك تأتي المتة كواحدة من المشروبات السورية التقليدية المستوردة من أميركا اللاتينية والتي تتم تعبئتها في دمشق ومن ثم تصديرها إلى أوروبا بمختلف أنواعها المتوفرة في السوق السورية وأبزرها “خارطة” التي تتصدر قائمة أنواع المتة طلباً في العالم من قبل المستهلكين السوريين.
اقرأ أيضاً: حكومة التجارة الداخلية لا تحمي المستهلك- بلال سليطين
ويؤكد تجار سوريون تواصلنا معهم وأصحاب نقاط بيع أن هذه المتة تباع للسوريين وللجالية اللاتينية بما في ذلك الأرجنتينيون في أوروبا وحتى للأوروبيين الذين تعرفوا على المتة مؤخراً وأحبوها.
منتجات متنوعة
تتنوع المنتجات السورية المتوفرة في الأسواق العالمية بشكل كبير جداً، حيث نجد الزيتون والزيت، الملوخية المجففة، ورق العنب المُعلب، الزعتر بأنواعه، وكذلك القهوة والشاي وصولاً للصابون الحلبي الذي يباع غالباً في محال أجنبية وليس سورية خصوصاً “صابون حلب”.
تصدير للقارات الخمس
وتصدر المنتجات السورية إلى دول متنوعة في العالم وفق “نور أبو حرب” مسؤولة في شركة الغوطة للصناعات الغذائية والتي تتخذ من دمشق مقراً لها. وتقول أبو حرب لـ سناك سوري إنهم يشحنون المنتجات إلى “دول أوروبا، وأميركا الجنوبية، الولايات المتحدة، نيوزيلندا وأستراليا، وكذلك السنغال” إضافة لدول الخليج العربي وغيرها.
وتؤكد “أبو حرب” أن المستهلكين لهذه المنتجات كانوا في البداية سوريين وعرب فقط بينما في الوقت الحاضر أصبحت الأسواق مفتوحة حتى على المستهلك الأجنبي الذي غالباً ما يحب الطعام السوري.
مُنتجات سوريّة لا تصنع في سوريا
رغم أن المنتجات السورية تصل إلى العالم إلا أنها لا تُصنع بالضرورة في داخل سوريا، حيث توجد عشرات المنتجات بأسماء مختلفة في الأسواق العالمية ومعظمها تُقدم على أنها سورية لكنها تصنع في الأردن وتركيا ومصر ومن ثم يتم تصديرها. بينما تعد الشركات المصدرة التي تتخذ من الداخل السوري مقراً لها محدودة جداً من حيث البضائع والعدد.
صناعات سورية تستقطبها دول الجوار
بعض هذه الشركات كان يعمل داخل سوريا قبل عام 2011 لكنهم اضطروا لنقل معاملهم للخارج بسبب الحرب وتم استقطابهم من قبل دول الجوار التي منحت التسهيلات لعملهم. وأبرزهم شركة الدرة التي انطلقت من عربين بريف دمشق في سبعينيات القرن الماضي بينما تتخذ اليوم من مدينة الحسن الصناعية في الأردن مقراً لها.
اقرأ أيضاً: التَنمُّر على الإصلاحيين – بلال سليطين
بينما هناك شركات أخرى ولدت بعد الحرب خصوصاً تلك التي تعمل في تركيا لكنها تقوم باستيراد معظم منتجاتها من مناطق الشمال السوري قبل تصنيعها في غازي عنتاب وغيرها من المدن التركية ومن ثم تصديرها إلى العالم.
استقرار المنتجات السورية في الأسواق العالمية
لقد استطاعت المنتجات السورية شق طريقها إلى العالم وتحقيق هامش بيع بمليارات الدولارات سنوياً. لكن طريق الصناعيين السوريين إلى داخل سوريا مايزال مليئاً بالعثرات التي تحول دون عودة هذه الشركات المنتجة والمصدرة إلى سوريا التي تحمل اسمها وسمعتها. ما يلحق ضرراً بالصناعة السورية ويحمِّل السلطات مسؤولية مضاعفة لاستقطاب الصناعيين من الخارج. وتوفير بيئة عمل منافسة لدول الجوار ما سينعكس إيجاباً على الصناعة السورية ويحقق الاسثتمار الأمثل لهذه الفرصة التي خلقتها الحرب من رحم معاناتها وبإمكانها تحقيق الفائدة داخل سوريا لـ “المزارعين، واليد العاملة، والصناعيين، والتجار..إلخ”.