الرئيسيةرأي وتحليل

المتاهة السورية الكهربائية – أيهم محمود

الكاتب يطرح حلاً لوضع الكهرباء قبل أن يعجز السوريون عن المنافسة بالخبرات

حظيت الكهرباء السورية بالجزء الأكبر من التصريحات المتناقضة والوعود التي لم تتحقق خلال السنوات الماضية، ثقبٌ أسود كبير يبتلع آمال السوريين وأحلامهم ومستقبل تعليم أولادهم، يبتلع أيضاً جبالاّ من التصريحات المتناقضة فيما بينها التي تختفي داخله وكأنها لم توجد ولم يسمعها أحد، الكهرباء أخطر ما يواجهه السوريون من أزمات، انخفاض جودة الغذاء إن لم يصل إلى حالة العجز الغذائي يمكن تعويضه لاحقاً لكن انخفاض جودة التعليم وجودة مهارات العمل يؤدي إلى آثار مدمرة تمتد لعدة عقود.

سناك سوري-أيهم محمود

الكهرباء هي عنوان الحضارة في عصرنا الحالي لكن السوريين اختاروا على سبيل المثال الحفاظ على دعم وسائل النقل الخاصة بدلاً من دعم الكهرباء، النتيجة المؤكدة التي حصلنا عليها بسبب هذا الاختيار هي استمرار تصاعد حدة العمليات الاستهلاكية مع تراجع حاد في جودة معظم العمليات الفكرية والانتاجية، لن يستطيع السوريون منافسة الخبرات العربية والأجنبية في سوق العمل في حال استقرار حالة انقطاع التدريب والتعليم المستمر.

لا توجد رؤية واضحة لحل مشكلة الكهرباء في سوريا، هل نتجه نحو تخصيص هذا القطاع؟ أم نتجه نحو تحرير أسعاره كما حدث مع معظم المنتجات السورية، من يجب أن يقوم بالاستثمار في مشاريع الطاقات البديلة؟ الأفراد؟ أم شركات كبرى متخصصة؟ ما هو مستقبل الكهرباء في سوريا وما هو الأفق الزمني لحل هذه الأزمة؟ عشرات الأسئلة الأخرى أيضاً التي لا تجد من يرغب بالجواب عليها، وصف الثقب الأسود ينطبق إلى حد كبير على واقع الكهرباء السورية فهي تبتلع كل جهد وكل أمل وكل محاولة تغيير لهذا الواقع القاسي، يصعب أيضاً أن تخرج معلومات مؤكدة منه تُخبرنا بما يجري داخله.

اقرأ أيضاً: المواطن السوري المزعج في عصر الإنترنت – أيهم محمود

لا أعلم حقاً لماذا ينتظر الجميع حدوث معجزة في هذا الملف، معجزة لن تأتي بالتأكيد، لذلك يجب التوجه نحو الحلول الواقعية لهذه الأزمة مع ترتيب الأوليات السورية الحرجة، الأولوية الأولى يجب أن تكون للتعليم، وهذا يتطلب دعم أجهزة الاتصال بالانترنت، وضمان حصول الأسر والمنازل على الحد الكهربائي الأدنى وهو ما يُطلق عليه اصطلاحاً اسم الأمبيرات، وهي الحد الأدنى المطلوب لتأمين إنارة بسيطة ولتأمين الولوج إلى أنظمة الاتصالات اللازمة لاستمرار العمل العلمي والفكري، لذلك لدينا هنا مروحة من الحلول تبدأ بالحل الأسوأ: تشريع مولدات الأمبيرات في كل المدن السورية، وتمر بكل الحلول الممكنة لإنشاء شركات لتوزيع الكهرباء تعمل وفق نظامين مستقلين: نظام أمبيرات ونظام عادي مقنن، تصل الأسلاك الكهربائية إلى كل المنازل لذلك يمكن تخصيص أحدها لنظام الأمبيرات، أو يمكن تمديد سلك إضافي خاص بالأمبيرات، أمبير واحد قد يكفي لاستقرار عمليات التدريب والتعليم وتنشيط قطاع المهن الفكرية.

يمكن أيضاً تجهيز مراكز ثقافية كهربائية في كل حي لتوفير حق التعلم ولتوفير البيئة المناسبة لتطوير وإنجاز الأعمال الفكرية، قبل إعادة بعض السيولة المادية إلى شرائح واسعة من المجتمع لن يتحقق الانتقال إلى الاستثمار في الطاقات البديلة، يمنع الواقع الاقتصادي الحالي الأفراد من الاستثمار فيها بسبب نقص الموارد المادية، وهو يمنع المستثمرين أيضاً من توظيف أموالهم فيها لذات الأسباب، دون تعافي العمليات الإنتاجية في المهن الصغيرة وفي الأعمال الفكرية والتعليم لن نخرج من هذا الثقب الأسود الذي يبتلع كل يوم المزيد من آمالنا والمزيد من حاضرنا ومستقبلنا.

ثمن الوقود المتوفر بشكل مقبول للسيارات الشخصية يمكن أن يغطي جزءاً مهماً من احتياجاتنا الكهربائية في حال الانتقال إلى ثقافة النقل الجماعي والعمل انطلاقاً من المنازل، وفي حال تأمين معظم الخدمات الحكومية عن طريق شبكات الاتصال، التحول الرقمي المطلوب يحتاج المزيد من الاستثمار في التعليم، تركيبة متوازنة من المراكز الثقافية الشعبية المنتشرة بشكل جيد  في الأحياء والقرى مع شركات حكومية أو خاصة لتأمين نظام الأمبيرات سيخفف بالتأكيد التأثيرات القاتلة لغياب الكهرباء على المستقبل الذي أصبح منظوراً وقريباً ولم نعد نستطيع وصفه بالبعيد.

نحتاج الجرأة والوضوح في مقاربة حلول هذه الأزمة القاتلة، بقاء حالة المرواحة في المكان تحمل مخاطر عالية بعد أن وصلنا إلى الحدود الحرجة المعطلة لكل إنتاج ولكل تطور.

اقرأ أيضاً: مأساة الرهائن ومأساة كل البشرية من بعدهم – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى