الكواكبي… المثقف الذي كان سيعدم بسبب حديثه ضد الحكومة
في ذكرى وفاة عبد الرحمن الكواكبي مؤلف طبائع الاستبداد
سناك سوري – عمرو مجدح
يروي حفيد العلامة السوري “عبد الرحمن الكواكبي” المسمى على اسم جده “الكواكبي” عن القصة الكبرى التي بسببها تم الحكم على جده بالإعدام فيقول:« ابتدت بتقرير بوليس من “أحمد صبري” المؤرخ 21 / شوال / 1309 هجرية، يبين فيه أنه تحقق بصورة خفية عن أحوال “عبد الرحمن أفندي” وفهمت أنه يجمع أولاد محلته عنده ويصرح بأقوال ضد الحكومة.. علماً بأنني لم أعرف أسماء الأولاد الذين يجمعهم لكنه يقوم بإثارتهم ضد الحكومة».
وفي ذكرى وفاة الكواكبي التي صادفت أمس نستذكر حديث” نور لیلی عدنان” في كتابها “الكواكبي مصلحاً وأديباً”عن الحادثة وعن المحاكمات المتعلقة بها، والتي كانت منشورة في جريدة القاهرة الصادرة في /11/ نيسان وما بعده سنة 1903م. وقد كتبها “عبد المسيح الأنطاكي” الذي يقول:«فأرسل ” أي “عارف باشا” والي حلب” فجأة رجال البوليس يهاجمون منزل الكواكبي استناداً إلى تقرير سري رفع ضده ، وقالوا إنهم وجدوا بين أوراقه ورقة صغيرة تفيد أنه يخابر الدولة الإنكليزية ليسلمها البلاد، وبعد القبض عليه وإيداعه في السجن كان يعلم ما يبيته “عارف باشا” من نية الغدر به، فأخذ يكتب الاستعطافات إلى الأستانة طالباً عرض القضية في ولاية أخرى غير “حلب”، لما بينه وبين واليها من حرب، فوافقت “الأستانة” على نقلها إلى “بيروت”.
في “بيروت” رفض “الكواكبي” تعيين محامي حسب ما ذكره “الأنطاكي” في العدد الخامس من جريدة القاهرة الصادرة عام 1903 ميلادي و دافع عن نفسه باللغة التركية فكان مما قاله في هذه المرافعة ما ترجمته: «وماقضيتي اليوم إلا مظلمة كبرى أراد بها الظالمون أن ينتقموا مني باسم القانون فإنكم قرأتم ياقضاة العدل في الساعة الأولى الأوراق التي أرسلت من عدلية “حلب” وبموجبها حكمت المحكمة الاستئنافية علي بالإعدام، وأنا كمظلوم بينه وبين الموت كلمة من فم القضاة الذين أنا ماثل أمامهم، لايسعني إلا أن أفصح عن كل شيء وأقول كل شيء كاعتراف أمام الله وأمامكم بما ظهر واستتر من هذه القضية السوداء، إن البلاء قد اكتنفني من قبل الآن وكان مصدره “أبو أفندي” الذي اغتصب نقابة أشراف “حلب” من عائلتي، لأني أطالبه بحقوقي ولم أسكت عنها».
اقرأ أيضاً:ابنة “الطيب تيزيني” تروي اللحظات الأخيرة قبل رحيله
ولد “عبد الرحمن الكواكبي” في “حلب” عام 1855والده “أحمد بهائي مسعود الكواكبي”، أمين الفتوى والمدرس في الجامع الأموي بحلب، ويرجع نسبه إلى الشيخ “محمد أبي يحيى” المشهور بـ “الكواكبي” وكان عالماً كبيراً وفقيهاً ، أقام في “أنطاكية” بعد وفاة والدته وعاد بعدها إلى “حلب” والتحق بالمدرسة الكواكبية حيث تعلم العلوم الدينية واللغوية، وسرعان ما أصبح أحد رجالات الحركة الفكرية والوطنية في المدينة.
درس “الكواكبي” مختلف العلوم واللغتين التركية والفارسية وظهر عليه النبوغ المبكر منذ الصغر إلى أن أصبح أستاذاً في المدرسة الكواكبية، تولّى عدداً من الوظائف أولها محرر عربي ومترجم تركي لجريدة “فرات” الرسمية وكان عمره 21 عاما ثم أصدر جريدتي “الشهباء” و”الاعتدال” اللتين أغلقتا بسبب آراءه وإنتقاداته للحكومة العثمانية، اتخذ “الكواكبي” مكتباً للمحاماة في حي الفرافرة أحد أحياء مدينة “حلب” مارس المحاماة وأقام الدعاوي على والي “حلب” ليسترد منه أراضي اغتصبها من المزارعين الفقراء.
اقرأ أيضاً:التركة الثقيلة بين الكواكبي و سعدالله ونوس
من أهم مؤلفاته ” طبائع الاستبداد” الذي ترجم للغة الروسية و هي مجموعة مقالات نشرت في جريدة “المؤيد” دون أن يكشف عن اسمه قبل أن يجمعها “الكواكبي” وينشرها في الكتاب الموقع بإسمه، وكتاب “أم القرى” الذي ترجم للغة الألمانية وهي رواية خيالية لجمعية متعددة الجنسيات عقدت مؤتمراً في “مكة” بحثت فيه أسباب تخلف المسلمين والعرب ووسائل نهضتهم والمقترحات المتعلقة بمستقبلهم، كما قام بتنظيم بعض مذكراته عن رحلاته في أفريقيا وآسيا وجمعهما في كتابين هما “صحائف قريش ” و “العظمة لله” وقد فقدا وهما مخطوطان، آخر وظائف الكواكبي رئاسة غرفة التجارة والزراعة والصنائع قبل أن يهاجر إلى مصر عام 1899 فراراً بحياته من العثمانيين.
متحف الكواكبي
كتب عبد الرحمن الكواكبي “الحفيد” في مجلة “التراث العربي” 1997 قائلاً :«مرة تبرع بعض المثقفين في أوروبا بإقامة متحف للكواكبي يضم كل مايتعلق به من مخطوطات وكتابات وكتب، وطلبوا منا السعي لتحضير المدرسة الكواكبية في “الجلوم” لتكون هي المتحف، ذهبت وأخي “سعد” لمراجعة أحد الأصدقاء الرسميين وهو صاحب العلاقة عارضين عليه الفكرة، طالبين منهم ترميم المدرسة، فقال إن الدولة لا يهمها إقامة مثل هذا المتحف العائلي، ظاناً أن هذا المتحف سيضم وظائفنا المدرسية وصور أولادنا وبدلات الكشافة، فأخبرنا جماعة المغتربين أن من العبث إيقاظ أفكار بعض الناس».
يذكر الكواكبي “الحفيد” مقالاً لـ”عبد النبي حجازي” مدير الإذاعة والتليفزيون الأسبق عن زيارة قام بها لـ “حلب” ويقول فيه : «”عبد الرحمن الكواكبي” العملاق العربي الكبير ، فوجئت وأنا أراه منتهياً إلى بناء قديم رث مهمل يتآكل يوماً بعد يوم، ويختم مقاله :في لينغراد طلبت أن أزور “دوستويفسكي” فرأيت بيته متحفاً، فأحسست بالنشوة وفي بلدي أرى الكواكبي يتحول إلى أطلال».
توفي “عبد الرحمن الكواكبي” في القاهرة متأثراً بسم دس له في فنجان القهوة كما يشاع عام 1902 رثاه كبار رجال الفكر والشعر والأدب في “سوريا ومصر ” ونقش على قبره بيتان للشاعر “حافظ إبراهيم”:
هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى
هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
قفوا وأقرؤوا أم الكتاب وسلموا
عليه فهذا القبر قبر الكواكبي
اقرأ أيضاً:عبد المجيد منجونة.. نهاية رحلة مُعارض من الوزارة إلى السجن