الفقر المُضاعف في سوريا.. فقر المال والدورة الشهرية
نساء سوريات بتنَ يعانينَ من حالة "فقر الدورة الشهرية"
يشكل موعد الدورة الشهرية هاجسا لدى جميع النساء. لكن الأمر يتفاقم بالنسبة للسوريات اللواتي لا تكفيهن الآلام العسيرة خلال فترة الطمث وما يرافقها من اضطرابات نفسية وهرمونية. لتتفاقم المعاناة لديهن بتأمين مستلزمات الدورة الشهرية من فوط صحية ومسكنات، ارتفعت أسعارها بشكل متزايد خلال الفترة الأخيرة. ففي العالم هناك حالة تدعى “فقر الدورة الشهرية”. ويقصد بها العوائق المادية لدى النساء والفتيات ذوات الدخل المنخفض التي تحول بينهن وبين شراء منتجات الدورة الشهرية. ويبدو أن الغالبية من السوريات يعانين تلك الحالة اليوم.
سناك سوري-صفاء صلال
باتت” الفوط النسائية” وهي إحدى الاحتياجات الأساسية للنساء خياراً كمالياً مع زيادة حدة الفقر في “سوريا”. والتي وصلت إلى 90% من إجمالي عدد السكان حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
وتقوم سيدات التقاهن سناك سوري بقص الثياب القديمة البالية، قُبيل موعد الدورة الشهرية، لاستخدامها كقطع قماشية بدلاً من الفوط التقليدية. ويتراوح سعر علب الفوط النسائية محلية الصنع وصغيرة الحجم بين 2500 ل.س إلى 4500 ليرة ويرتفع السعر تبعاً لعدد الفوط في العلبة ونوعيتها.
قبل عقد الحرب كانت أسعار الفوط النسائية تتراوح بين 15 إلى 25 ليرة سورية. حتى عام 2019 كانت الأسعار تتراوح بين 600-1000 ليرة سورية. ومنذ منتصف عام 2020 حتى اليوم وهي ذروة الأزمة الاقتصادية، تضاعفت الأسعار بنسبة قدرها 500%.
تقول سيدة أربعينية من سكان دمشق، لـ”سناك سوري”، فضلت عدم الكشف عن هويتها:«ليس المهم ماهية الفوط سواء أكانت قماشية أو عادية وإنما الحماية من التسرب خلال أيام الدورة».
وتشير السيدة أن تكلفة علبة واحدة هو أمر عادي خلال الشهر خاصة أن جميع الإحتياجات مرتفعة الثمن. لكن الأمر غير عادي لمن لديهم عدة فتيات في المنزل وتستهلك كل واحدة منهن علبتين شهرياً بأقل تقدير ثمن العلبة الواحدة 3500 ليرة وسطياً، أي 7000 لكل فتاة شهرياً، ويزداد المبلغ تبعاً لعدد الفتيات، وتلجأ السيدة لقص عدة أقمشة من ألبسة لا تريدها، قبيل فترة حيضها وتستخدمها عوضاً عن الفوط التقليدية.
تُخبر السيدة سناك سوري أنها لجأت للتفاضل بين الاحتياجات فالطعام أهم من علب الفوط طالما هناك بديل، فيما تعتمد العائلة على راتب زوجها.
اقرأ أيضاً: رفع الدعم بسبب غياب الزوج.. أعباء جديدة للأم المعيلة
ليست السيدة السابقة وبناتها الحالة الوحيدة في سوريا، فالسيدة “رحاب” استغنت عن الفوط النسائية التقليدية، فالمصروف مضاعف لدى العائلة وتأمين احتياجات طفلها أهم من احتياجاتها، حسب قولها.
الحاجة أم الاختراع تقول السيدة “رحاب” 30 عاماً وتعمل في القطاع الخاص، وتردف: «لم أتوقع يوماً أن استخدم القطع القماشية كجداتي سابقاً خلال فترة الحيض فالحرب الدائرة في سوريا أعادتنا إلى الوراء بعشرات السنين عوضاً عن التقدم».
تؤكد الدكتورة “بشرى قطان” الاخصائية النسائية لسناك سوري أن استخدام السيدات للقطع القماشية لا يشكل أي مشاكل صحية ولا أي التهابات أو أمراض على عكس الفوط النسائية التقليدية، فبعض الدراسات العلمية أشارت أن بعض الفوط قد تحتوي مواد سامة.
وتنصح الدكتورة “قطان”، السيدات اللواتي يستخدمن الفوط القماشية أو القطع القماشية بغليها جيداً بالماء الساخن وتعريضها للشمس.
تقترح الشابة الثلاثينية “مها” موظفة بالقطاع الحكومي، أن تدخل الفوط النسائية على قائمة الدعم الحكومي سواء عبر البطاقة الذكية أو عن طريق توفيرها بشكل مناسب ويلائم أحوال العائلات السورية خاصة ممن لديهن أكثر من فتاة في المنزل، خصوصا أن استخدام الفوط القماشية فكرة غير رائجة ضمن المجتمع النسوي السوري، كما تقوم “مها”، وتضيف أن عدم رواج استخدام الفوط القماشية في سوريا ربما يعود لكون السيدات اعتدن على الفوط النسائية الجاهزة التي يرافقها حملات إعلانية وتجارية ضخمة لجذب النساء المشتريات لها، وغياب الترويج للفوط القماشية بالإضافة لسرعة عجلة الحياة فأصبح الإنسان عبداً للمنتجات الجاهزة ولا يملك الوقت الكافي للعودة للتعقيم وغسل القطع القماشية.
يترك الوضع الاقتصادي المتردي أثاره حتى على الصحة الجسدية والنفسية للمرأة السورية، حتى أعادهن إلى زمن الجدات.