العنف الانتخابي … عن شراء أصوات الناخبين – ناجي سعيد
التبعية العمياء للحزب السياسي أو الزعيم
“كُلّما اتّسعت الرؤيا ضاقت العبارة”، يعتبر الصوفيّون أنّ هذا من ناحية روحانيّة وإيمانيّة، فالرؤيا التي تتّسع لديهم هي نتيجة التأمّل والتزهّد للترفّع عن مادّيات الحياة المُعاشة.
سناك سوري-ناجي سعيد
وبدأت حديثي بهذا المدخل، لأُضيء على “رؤيا” ليست روحانيّة أو إيمانيّة، وما قصدته بالرؤيا -موضوع حديثي- هو ما يتعلّق بمفهوم المواطنة. نعم فهذا المفهوم لكي يكتمل لا بدّ أن يبدأ بركيزة الإنتماء، وهذه الركيزة تنقسم إلى دوائر متسلسلة، من الصغرى إلى الكبرى فالأوسع والأشمل.
فحين يفتح الإنسان عينيه، يجد نفسه في دائرة صغيرة وغالبا ما تكون بيولوجيّة فهي نتيجة ارتباط وزواج. وهنا يأتي دور الوعي المُغاير لدائرة الانتماء الأولى في حياته، فمن يخالف دائرته الأولى، تنبذه عائلته ويسمّونه “عاق”! أمّا في “المواطنة”، فللمواطن حقّ مُقدّس، وهو أن يكون صوته مسموعا ومُحترما ومُقدّرا. ولتحقيق هذا الجزء المُقدّس، شَرّع الإنسان قوانين الإنتخابات، والتي من المُفترض أن يَسُنّها خبراء في القانون لهم دراية بحقوق الإنسان.
اقرأ أيضا: العين مش بالعين وإلا العالم سيصبح أعمى – ناجي سعيد
ومع بُعد مفهوم المواطنة عن الأسواق التجارية، من ناحية الشكل والمضمون، إلاّ أن المنافسة (كمفهوم ديموقراطي وهذا من المُفترض) جعلت كلّ من ينوي الترشّح للدخول إلى الندوة البرلمانية أن يخوض حربًا شعواء، تحت مظلّة الغاية تبرّر الوسيلة، وكلّ تركيزهم، التحايل على القانون. فالقانون صريح بوضع قانون تحدّد سقفا للإنفاق الإنتخابي، ولكنّهم لا يلتزموا به.
فيتلاعبون بالكشف عن حساباتهم المصرفيّة. وهناك طرق عديدة لذلك، نشاهدها في المسلسلات التلفزيونيّة! وما يعنيني من هذا الموضوع، هو المنحى الأخلاقي التربوي، ولست واعظا بالطبع، ولكنّ هناك منحى تربوي، يعتبر أساسا يرسم مبادئ وقيم تُعرف عند عامّة الناس بـ “الأخلاق”. ولو سلّمنا جدلاً، بأن المرشّح همّه الوصول إلى الكرسي، فيجدر بنا أن نُنبّه عامة الناس إلى حقّ يسبق وصول المرشّح إلى الكرسي، لا بل السبب الرئيس في إيصاله هو حقّ المواطن العادي في التصويت.
لذا، لستُ أعلم ما السبب وراء تغييب ممارسة الحقّ في التصويت؟ من الواضح أن أي مرشّح، مهما كان وكما قلت غايته لا يعنيها الوسائل القِيميّة، يهمّه الوصول. لذا نرى في مقدّمة وسائله الملتوية هي شراء أصوات الناخبين. وهنا يكون قد خالف القانون وأرغم المواطنين على المخالفة مستندا إلى عوزهم وفقرهم وحاجتهم المُلحّة في ظل وضع اقتصادي، لا بل وضع “مواطني” مُزري.
العنف هنا من أخطر أنواع العنف، فهو قتل بطيء جماعي. ولو أن القانون حدّد فترة الولاية للمجلس أربع سنوات، إلاّ أن عقلية الناس التي أنتجت “تبعيّة” حرمتهم من ممارسة الفكر النقدي لمحاسبة ومساءلة الواصلين للكرسي عن إنجازاتهم خلال تولّيهم جزء من السلطة. ولأبقى ضمن منظار تربوي، فمشكلة التابعين، بأنّهم يلجأون إلى المنطقة الآمنة، وهذا ينسيهم الجدّ والعمل لتطوير أنفسهم.
اقرأ أيضاً: هل يولد الإنسان على فطرة الخير واللاعنف – ناجي سعيد
فقد قال النفري بأنّ “العلم طريقٌ إلى العمل.. والجهل عمودُ الطمأنينة”.. ومن الأمثال الواقعيّة التي تحدث الآن، خلال كتابتي للمقال، تلقّيت رسالة (عبر الهاتف) من “مجموعة لمراقبة الانتخابات”، وهو فيديو لصبيّة توجّه رسالة بطريقة لاعنفية لطرف سياسي منعهم من الوصول لحضور ندوة يُعلن فيها ترشّح مرشّحين معارضين لهذا الطرف السياسي.
إنّ ما يشوّه صورة العمل السياسي عاملان: سلوك المرشّحين المخالف للقانون وسلوك تابعيهم العنيف. ومن ثمّ عقلية التبعية لزعيم أو طرف سياسي بطاعة عمياء، ممّا جعلتهم يجدّدون لنائب انتخبوه، اعتقدوا أنّه سيعمل لصالحهم، فانبرى يلمّع صورته وصورة حزبه، ومن خلف الستار، حرص على جمع الثروة بحجّة تأمين العيش الكريم لا بل الأكتر ثراءً لعائلته، دون الاهتمام بالأصوات التي وضعته على الكرسي.
ما يخيفني أن يتبع الناس فلسفة المثل الشعبي: “القطّة ما بتحبّ إلّا خنّاقها”!، ليس مستحيلاً أن نتبع توازنا بين العقل والقلب، فلا نتبع عاطفتنا، أو قلبنا الأعمى، فهو غير مُخوّل ليختار مرشّحًا يؤيّد برنامجه الانتخابي، ويتابع محاسبته لو قصّر. فالإنسان المُسيّر باستطاعته أن يكون مُخيّرا في المواطنة الحقّة.
اقرأ أيضاً: العنف والشهرة – ناجي سعيد