العالم قرية صغيرة تشبه ضيعتنا تماماً
فايسبوك صار بيت المختار وتويتر مضافة الضيعة
سناك سوري _ زياد محسن
منذ ستينيات القرن الماضي قال الكاتب الهولندي “مارشال ماكلوهان” جملته الشهيرة أو نبوءته بأن وسائل الإعلام ستحوّل العالم إلى قرية صغيرة.
لكن “ماكلوهان” لم يكن ليتوقع بأن هذه القرية “الكوكبية” كما سمّاها ستصبح بحلول الألفية الثالثة أشبه بضيعة في ريفنا البعيد.
في ضيعتنا، كانت السهرات تعقد يومياً بين أهالي الضيعة قبل أن يغزو التلفاز والهواتف المحمولة والانترنت منازلنا، حينها كانت الغيبة سيدة السهرة بلا منازع، فكانت كل السير والأحاديث تبدأ بعبارة “شفتو شو عمل فلان” أو “سمعتو شو عملت فلانة”، وتبدأ حفلة الغيبة حتى الصباح لأن فلاناً أو فلانة قاموا أو ربما أشيع أنهم قاموا بفعل لم يألفه أهل الضيعة فأصبحوا وجبة دسمة لحديث السهرة.
اليوم، والعالم قرية صغيرة، قرية السوشال ميديا والتواصل العابر للحدود، لم يختلف شيئاً قط عن سهرات الغيبة في ضيعتنا، كل ما في الأمر أن المسمّى اختلف وأصبح اسمه “تريند” ومن دون عبارة شفتو شو عمل فلان أو فلانة يبدأ أهالي القرية الصغيرة طرح آرائهم وتقييماتهم وشتائمهم ونظرياتهم حول فلان وفلانة.
حدثت ذات مرة في ضيعتنا قصة تقليدية لكنها تحدث حقاً بسيناريوهات متشابهة، فقد أحبت صبية شاباً من ضيعة قريبة لكن أهلها رفضوه حين تقدّم لخطبتها ومع إصرارهم على الرفض هربت الصبية مع حبيبها وتزوجا بعيداً عن الضيعة ولم يُعرَف لهم طريق، وطبعاً شغلت الحادثة أهل الضيعة لشهور وراحت تنسج القصص حول سمعة الصبية وعائلتها والعار الذي جلبته والشرف الذي لطّخته وما إلى ذلك من عبارات أهل ضيعتنا.
اقرأ أيضاً:في اليوم العالمي للابتسامة.. إحنا منضحك ليه؟
اليوم، والعالم قرية صغيرة، لم يعد الأمر يقتصر على زواج العشاق، فصار أهل قرى تويتر وفايسبوك وضواحيها يبدون آراءهم بكل زيجة لمشهور أو كل حكاية ارتباط لم يألفوها وحتى الميول الجنسية للآخرين باتت موضع اهتمام وإبداء رأي من أهل قرى العالم الافتراضي، ولم تغب عنهم أيضاً عبارات الوعظ الأخلاقي وفتاوى التحليل والتحريم.
قالوا في ضيعتنا أن ابن فلانة ولد ملعوناً لأن أمه أنجبته على يد طبيب كشف عليها بدل داية الضيعة وحين توفي أحد رجال الضيعة بعد أن التهم صحنين من الكنافة رغم إصابته بمرض السكري قالوا قضاء وقدر، فيما يقول بعض أهل القرية الصغيرة على وسائل التواصل أن لقاح كورونا يجعلك مثلي الجنس أو أنه يتسبب بظهور لحية للنساء وما إلى ذلك من نظريات علمية قيّمة لأهل القرية الكوكبية.
حدث في ضيعتنا أن انتسب شاب لحزب يساري، وأظهر ميوله الحزبية وآراءه الفكرية دون خجل، فراحت تنبت في جلسات أهل الضيعة اتهامات للشاب بالإلحاد وبأنه عديم النخوة وأنه يتلصص على جاراته وأنه وأنه، رغم أن أصحاب الاتهامات أنفسهم كانوا يضربون المثل بسمعته قبل اكتشاف رأيه الجديد لكنهم سرعان ما اختلقوا له ألف تهمة لإظهار وضاعته لأنه مغاير لهم ولآرائهم.
في القرية الكوكبية اليوم باتت الشائعات التي تهدف لتشويه السمعة تدعى “فايك نيوز” أو “أخبار زائفة” لكنها غالباً ما تصل للملايين ويتداولونها ولا يعرف سوى قلة منهم أنها مجرد إشاعات مختلقة، فيما يبقى الشخص موضع الاتهام بدون صوت مسموع ولا يأبه أحد لدفاعه عن نفسه.
تحوّل فايسبوك إلى بيت المختار وصار تويتر مضافة الضيعة، انستغرام عرس الضيعة المستمر حيث يظهر الجميع بأبهى حلة وأجدد الثياب، يوتيوب صندوق الدنيا أو كتاب الحكواتي، أما تيك توك فهو أشبه بلحظة خروج طلاب ضيعتنا من دوام المدرسة الابتدائية، عولم