العادات والتقاليد وسلوك البشر – ناجي سعيد
ما هي قصة عبارة “الإناء ينضح بما فيه”؟
سناك سوري_ ناجي سعيد
“الإناء ينضح بما فيه”، قولٌ مأثورٌ، كثيرًا ما نسمعه ونُردّده دون أن نلتفت إلى المعنى المقصود، أو ما هي القصّة وراء هذه الجملة.
وقد قرأتُ ذات مرّة “خبريّة” عن ثلاثة أصدقاء كانوا يسيرون في طريقٍ، ورأوا رجلاً يحفر حفرة. فقال الأول: لابدّ أنّ هذا الرجل قتل قتيلاً وهو يحفر ليدفنه. فقال الثاني: لا إنّه ليس قاتلاً، لكنّه بالتأكيد هو يخاف الناس ولا يثق بأحد، لذا فهو يحفر ليُخبّئ ماله. أما الشخص الثالث، فقد توقّع بإيجابيّة: ليس صحيحًا ما تقولون، إنّما هو فاعل خير يحفر بئرًا ليروي عطش الناس. وهذه واحدة من قصصٍ كثيرة يتداولها من يريد تفسير الجملة المذكورة أعلاه. ونخلص من هذا التفسير بأن الجملة تخفي وراءها معنىً آخر، مردّه بأنه من الصعب جدًّا الخروج من التقاليد والعادات، التي اعتاد الناس إتّباعها (لفظًا أو سلوكًا). ولإثبات وتأكيد معنى الجملة، فالمهندس المسؤول عن إنشاء الطرقات، يرى “الجزيرة الوسطيّة” من خلال كلفتها وتنفيذها، وبائع الزهور يرى المشهد نفسه، بماهيّة أنواع الزهور المزروعة، ويرى الرسّام لوحة ملوّنة جميلة أمام عينيه!! وهذا ليس خارجًا عن الطبيعة، فلو ذهبنا بالمسار بمنحى علمي بيولوجي، لتأكدنا كيف أن جسم الإنسان له الأثر المباشر على مستواه النفسي. فحين تعرّضتُ لحادث سيرٍ منذ أربع سنوات، خضعت لجلسات علاج نفسي مع دواءٍ تناولته، للوصول إلى التوازن المطلوب بين المستويين النفسي والجسدي. ولكي أربط ما أقوله عن التوازن، بموضوع أثر العادات والتقاليد على السلوك البشري، لا بُدّ من التوضيح بأنّ عمليّة النموّ عند الإنسان تسير بشكلٍ موازٍ. فحين ينمو جسد أي شخص، يرافقه الدماغ في النموّ.
اقرأ أيضاً: التعاطف مع العنف- ناجي سعيد
فالدماغ هو عضو في الجسم. لذا تتأثّر عملية نمو الدماغ بالتفاعلات الكيمائية التي تحدث في الجسم. فحين يُفرز الجسم “الكورتيزول، الأدرينالين، الدوبامين..” فمن المعروف إن إفرازها مرتبط بمشاعر مختلفة وعديدة (الفرح/ الرضا/ الحزن..). وما لا نلتفت إليه، هو أنّه بالإضافة إلى عمليّة النمو المزدوجة (النفسي والجسدي) فعمليّة بناء متينة تُنجَز بثبات ومن الصعب تغييرها. وأحجار هذا البناء هو الجانب الاجتماعي وتحديدًا العادات والتقاليد، حيث يعتقد الناس بمطلق صوّابيتها، ويناسب تشبيهها بالحجارة لقساوتها وصلابتها، ومقاومتها للتغيير. وببساطة وعفويّة، فإن ردّة الفعل لأي شخصٍ مُتعرّض لألم، تكون خارج السيطرة. وهذا ما يحتّم عنفيّة ردّة الفعل هذه. والمشكلة الدائمة بأن هذه التفاعلات الكيمائية داخل جسم الإنسان توحي لأي “بشريّ” بأنها حتميّة الحدوث ولا مهرب منها. وبالتالي ينسحب هذا الأثر السلبي على الأفراد لينطلي على المستوى الجماعي. وبالتالي يعتقد الناس بأنّ السلوك العُنفي الناجم عن أفراد لأسباب بيولوجية، هو من أصول التقاليد والعادات المجتمعيّة.
وتُختَصر هذه الثقافة المجتمعيّة بأمثال شعبيّة تؤكّد للناس وتُعمّق اعتقادهم الزائف لترسم مسارًا معاكسًا لطبيعة البشر اللاعنفيّة. ولعلاج العملية العنفيّة وإدارتها لتصبح لاعنفيّة، أستخدم في الحصص التدريبية التي أنفّذها في مجال عملي، المثال التالي: تخيّلوا “الفعل” هو جدار، “فردّة الفعل” هو جدار ملاصق له تمامًا، وما علينا فعله هو إبعاد الجدارين عن بعضهما البعض، فالمساحة الضيّقة بين الجدارين تُدعى: الإدراك. وهذه المساحة من الإدراك هي التي تغيّر العادات والتقاليد العنفيّة. لترسو سفينة اللاعنف على برّ طبيعة البشر المُحبّة.
اقرأ أيضاً: الإشاعات والتواصل اللاعنفي _ ناجي سعيد