الضرائب… مواجهة مع كتلة المجتمع
القوى الاقتصادية امتلكت مع الزمن قاعدة في الدولة العميقة….
سناك سوري -مازن بلال
أريد الاقتباس من كتاب “زيجموند باومان” (الحداثة السائلة) لفهم طبيعة الحالة المطلبية، ليس في لبنان فقط بل في أي مكان تظهر فيه الاحتجاجات حتى ولو كانت حالة افتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتحدث “باومان أنه في “ظل حركة السيولة، كل شيء يمكن أن يحدث، ولكن لا شيء يمكن أن نفعله في ثقة واطمئنان، فتتولد حالة من اللا يقين تجمع ما بين الإحساس بالجهل (استحالة معرفة ما سيحدث) والعجز (استحالة منع ما سيحدث) والإحساس بالخوف دون أن نستطيع إدراكه ولا تحديده.”
في الصورة السابقة يمكننا أن نفهم وفق علم الاجتماع “الخوف العام” مما هو متوقع، رغم أن بعض المطالب في لبنان على سبيل المثال تبدو اعتيادية كونها تنطلق من الواقع الضريبي، ولكن في نفس الوقت فإن الضرائب كنموذج تطال صلب النظام الاقتصادي لأن أي تعديل فيها سيدخل في عمق رؤوس الأموال المنتجة، والنظام المصرفي على الأخص في ظل حالة من عولمة الشبكات المصرفية، بينما في دولة مثل سورية فإن إصلاح النظام الضريبي لا يتعلق فقط بعدالة الضرائب بل يمس مراكز القوى الاقتصادية ومكانتها التقليدية داخل المجتمع.
اقرأ أيضاً: اقتراح ضريبة على الثروة.. الدولار “الوهمي” يرفع سعر الخبز.. عناوين الصباح
عملياً فإن ما يميز القوى الاقتصادية هي قدرتها في التأثير على التشريعات، فهي لا تمتلك الشارع السياسي ولكنها تملك الشرعية كونها المحرك المالي لحياة الناس، وعندما تسعى التشريعات إلى تحقيق كسب ما من هذه القوى فإنها تعدل من ميزان التوازن السياسي لسببين:
– الأول هو أن القوى الاقتصادية امتلكت مع الزمن قاعدة في الدولة العميقة، فنفوذها يبدو ظلال ضمن الصراعات السياسية أو حتى في عملية الإصلاح، وهذا النفوذ يؤثر حتى على طبيعة التفكير داخل الدولة مهما كانت توجهات النخب السياسية.
– الثاني أن القوى الاقتصادية التي كانت في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين تمثل “طبقة” وفق التنظير المالي؛ أصبحت اليوم شبكة وليس بالضرورة كتلة صلبة، فهي على تماس مع كافة المصالح الاجتماعية، وهذا الأمر يجعل “التشريعات” مجرد أوراق لا تستطيع السياسات العامة تطبيقها، وفي المقابل فإن العملية التنموية تضطر نتيجة الشبكة التي تملها هذه القوة إلى التعامل المباشر معها وربما الدخول ضمن إطار شبكتها.
في نموذج الضرائب هناك ضرورة لهيكلتها وإيجاد توازن كامل في التشريعات الخاصة بها، وفي المقابل فإن هناك حالة من عدم اليقين فيما ستؤول إليه الأمور مع التوازن الجديد للتشريعات، فنظرياً ستزيد إيرادات الدولة من أي تشريع “عادل” ولكن الدولة نفسها تسير على إيقاع القوى الاقتصادية الموجودة، فالنتائج تبقى احتمالات وتستمر معادلة التأثيرات السلبية إن صح التعبير.
الذهاب نحو الضرائب العامة التي تطال غالبا الفئات الأكثر تهميشا وفقراً هو الحل الآمن بالنسبة للمشرعين وللدولة، فهو يضمن بالنسبة لهم عدم تفتيت الشبكة الاقتصادية الكلية حتى ولو اضطر الأمر إلى مواجهة “كتلة المجتمع”، كما يحدث في لبنان على سبيل المثال، والاضطرابات التي يمكن أن تحدث ربما تذهب بعيداً في العنف والفوضى ولكن في النهاية فإن شبكة القوى الاقتصادية ستشكل ذاتها داخلياً رغم كل النتائج الكارثية.